وكان من حديث وقعة القادسية ومشاهدة عمرو بن معدي كرب: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وجه سعد بن أبي وقاص إلى القادسبة لمحاربة العجم أقبل سَعد حتى وافى القادسية فعسكر بها، وكانت الفرس اذ ذاك قد ملكت أمرها غلاما قد نجب من عقب كسرى بن هرمز، يقال له: يزدجرد، وهو آخر من ملك من العَجَم، فأجلسوه على سرير الملك، وعصبوه بالتاج، وبايعوه على السمع والطاعة، فجمع يَزْدَجرد إليه أطرافه، واستجاش جنوده، فاجتمع إليه عالمٌ عظيم، وَقَّواهم بالسلاح والأموال، وولي عليهم عظيما من عظماء مرازينه، له سنُّ وتَجْربة، يقال له رسُتُم بن مهر مرد، فوجَّهه في زهاء خمسين ألف من أبطال العجم وفرسانهم، وأقبل رُسْتُم حتى وافى دبر الأعور، فنزل هناك بعسكره، وبلغ الخبر سعد بن أبي وقاص - وهو بالقادسية - وبلغ ذلك جرير بن عبد الله اليحلي، والمثنى ابن حارثة الشيباني، ومن كان معهما من المسلمين، وكان جرير بناحية فلما بلغهم توجُّهُ رُسْتُم إليهم في زهاء خمسين ألفا من أبطال العجم وفرسانهم سعد إلى عمر بن الخطاب يطلب المَدد والنُّصْرة فأمد عمرُ بن الخطاب بعمر بن معدي كرب الزبيدي، وقيس بن هُبَيرة المكشوح المُرادي، وهو ابن أخت بن معدي كرب. وطليحة بن خويلد الأسدي، وكانوا من فرسان العرب المذكورين في الجاهلية والإسلام، فكتب عمرُ بن الخطاب إلى سعد، إني وجَّهْتُ إليك يقومان في الحرب مقام ألفي رجل، ولا أحسب لهما كثير نية في الجهاج، عهدهما بالشرك، فاعرف مكانهما وقدَّمْهُما واستشرِهما في أمورك وأعلمها أنا مستغن عنهما، فإنك تستخرج بذلك نُصْحُهما. فلما قدما على سعد بالقادسية فرح بهما المسلمون فرحا شديدا، لبعد صيتهما، وعظم ذكرهما، وإن رستم بعسكره يدبر الأمر أربعة أشهر، كراهية لقتال العرب، وخوفا أن يصيبه ما أصاب مهران، فصار يستريح إلى المطاولة يرى أنها مكيدة. فكان العرب يوجهون للميرة فيأخذون على البر ثم يعطفون إلى أي النواحي شاءوا من ابسواد، الميرة ثم يرجعون نحو البر ختى يخرجوا إلى معسكرهم، وكان الذي في حمل والميرة عمروُ بن معدي كرب وطليحة بن خويلد، وهما يومئذ شيخلن كبيران السن. وكان للمثتى ابن حارثة جارية من أجمل نساء بكر بن وائل، فمرض عند قدوم سعد بن أبي وقاص بالحيرة، فأقام بها ومعه امرأته تُمَرَّضُه، فكتب إلى سعد.
بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فإن الذي خلَّفَتي عنى المّصير إليك أصحابي شكوة قد أصابتني، وقد خِفْت على نفسي أن أهلك، فإني أشهد أن لا إله إلا الله ولا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم - عبده ورسوله، وأن الساعة لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور. وإن يَدْفع الله فإنني في أثر كتابي والسلام. وإن رأيت أن تُقِيم بمكانك بالقادسية والعذيب حتى توافيك فحاربهم على أدنى حجر من أرض العرب، فإن نصرك الله فتلك عادته وامتنانه، وإن تكن الأخرى كنت أنت ومن معك من العرب أعرف بسبُلُ وأرضكم. فلم يلبث المُثَنَّى أياماً حتى هلك بالحيرة، ودفن بالقادسبة. فلما انقضت عِدّضة المرأة خطبها سعد بن أبي وقاص فَتَزوجها وحملها إلى رحله ووافي إليه جرير بن عبد الله اليُحلي في قومه من بجيلة ومن كان معه من المسلمين، فعسكر معسكرهم مع سعد بن أبي وقاص بالقادسية.