ثم إن رستم أقبل في عسكره وجنوده حتى قرب من معسكر المسلمين بالقادسية - بعد مخاطبة ورُسُل وكلام جرى بينه وبين سعد يطول ذكره - وجعل كلا الفريقين حتى دنا بعضهم من بعض في ليلتهم تلك يصفون الصفوف، ويعبئون الخيل والرجال، ويقفون الرايات، وكان بسعد علة لم تمكنه الخروج بنفسه إلى الحرب، فولى خالد بن عرفطة. وجعل على القَلْب قَيْس بن هُبَيْرة المكشوح المُرادي، وعلى المدينة شَرحْبيل بن السمط الكندي، وجعل على المسيرة هشام بن عُنْتَبة المعروف بالمِرْ قال، لأنه كان يُرْقل في الحرب إرقالا، وهو الخبب من المشي، واستعمل على الرجالة قَيْس بن خزيم، وبُسط لسعد في أعلى القصر بمكان يُشرف منه على الفريقين إذا اقتتلوا، ومعه في القصر ما كان من العرب من النساء والَّريّضة، فأصبح الفريقان تحت راياتهم ومصافاتهم، وجعلت الأمداد من قبل الملك يزدجرد تترى على رستم - عسكرا بعد عسكر - حتى صاروا في زهاء مائة ألف رجل، بين فارس وراجل، وقام خالد بن عرفطة في العرب خطيبا وقال: يا معشر العرب، إن هذه بلاد قد أذَلَّ الله لكم أهلها، فأنتم تقتلونهم وتُغيُرون عليهم منذ حَوْلَين كاملين، وقد جاءكم منهم هذه الجموع، وأنتم لها ميم العرب وساداتهم وخيار كل حي: وعز من وراءكم، فإن صدقتموهم الطعن والضرب كانت لكم بلادهم وذرايهم، وإن تقتلوا لم يبق منكم باقية، ألا ترون الأرض من خلفكم صفصفا قفرا، ليس فيها ملجأ ولا وزر، فلتكن حصونكم سيوفكم ورماحكم، ثم زحف الفريقان بعضهم إلى فالتقوا واقتتلوا قتالا شديدا لم يسمع السامعون بمثله، وتقدم عمرو بن معدي كرب الزبيدي وقيس بن هبيرة المكشوح المرادي أمام المسلمين كالاسد الاساود وجعل قيس بن هبيرة يرتجز ويقول:
قد علمت واردة الوشايح ... ذات النقاب والجبين الواضح