ثم حمل هو وعمرو بن معدي كرب، وتبعتهم أبطال العرب وفرسانهمن فحملوا على العجم حملة رجل واحد، فتطاعنوا بالرماح، وتجالدوا بالسيوفن وصبرت لهم العجم صبرا صادقا، وقتل من الفرقين مقتلة عظيمة، حتى خاضت الخيل في الدماءن واظطربوا شديدا، بجد واجتهاد، وثار بينهم القتام، وكان من القوم جولة حتى لحقوا برستم - وهو آخر صفوفهم - فلما نظر رستم إلى ذلك نادى في العجم وقال: ما لكم ثكلتكم امكم تحتمون عن هؤلاء القوم وانتم إخوان الحرب وأحلاس الطعن والضرب. ثم صار في اوائل أصحابهن ثم حمل وحملوا معه حملة رجل واحد، فكان العرب في جولة شديدة حتى دنوا من القصر الذي فيه سعد ابن ابي وقاص ومع النساء والذراري. فأمر سعد أن يخرجن ومعهن اصاغر اولادهنن فخرجن جميعا. من القصر، واستقبلن المنهزمين من العرب فصحن وأعولن وقلن ويحكم، عاد بكم أن تدعونا وتهربوا. فأخذتهم الحمية فرجعوا إلى الحربن وانصرفن النساء والاولاد إلى القصر، وسعد ينظر إلى ذلكن ومعه المرأة التي كانت امرأة المثنى بن حارثة. فحملت العرب حملة صادقةن وأمامهم عمرو بن معدي كرب الزبيدي، وقيس بن هبيرة المكشوح المرادي، وطليحة بن خويلد الاسدي، وصبرت لهم العجمن فتطاعنوا وتضاربوا بالرماح حتى تكسرت، وقبل ذلك تراموا بالسهام حتى تفصدت، وصاروا إلى السيوف، وعمد الحديد، وحملت العجم على يحيلة - وهم في الميمنة وعليهم جرير بن عبد الله البجلي - وصَبَرت لهم يحيلة فاقتتلوا قِتالاً شديدا، وكثرت فيهم القتلى والجراحات. وسعد ينظر إلى ذلك وهو جالس بأعلى القصر، والى جانبه امرأته التي كانت أمرأة المثنى، فقال سعد وابجيلتاه، ولا بجيلة إلى اليوم. فقالت المرأة: وامُثناه ابن حارثاه، ولا مُثنى لي اليوم. فدخلته الغيرة من ذكرها المُثنى فلطم سعدٌ حُر وجهها، فقالت: يا بن وقاص، أغيرةً وجُبنا ثم عطف عمرو ابن معدى كرِب وابو محجن الثقفي حتى صاروا في أوائل بُجيلة وقد زالوا عن مصافهم، فأنقذهم حتى ردهم إلى مصافهم، وحملت العربُ معها حملة رجل واحد فقتلوا في حملتهم تلك من العجم مقتلة عظيمة، نهنهوهم عن أنفسهم، وسعد ينظر إلى ذلك. فقال لامرأته: لقد من الله على بجيلة. ثم اشتد القتال فاقتتل الفريقان قتالا لم يسمع السامعون بمثله وتقدم امام العجم رجل منهم كان يُعَدُّ لألف فارس، يعمل عمل الأسد البواسل وتقتل من المسلمين من أدرك منهم، فحمل عليه عمرو بن معدى كرب فاحتمل عن دابته وجعله أمامه على قَربُوس سرجه، وانصرف به حتى توسط به العرب فرماه عن القربوس فكسر عُنُقه. وقال:: يا معشر العرب هكذا فافعلوا. فقال بعض من حضره: يا أبا ثور من يستطيع منَّا أن يفعل كذا.
ثم أضطرب الفريقان مِليَّا من النهار بالسيوف والعُمد وأمامهم عمرو بن سعدى كرب الزبيدي حتى أزالوا العجم عن أمكنتهم، وأفضى عمرو إلى رستم وكان في أواخر أصحابه - فحمل كُل واحد منهما على صاحبه، فتضاربا بسيفهما فلم يحك سيفاهما شيئا، وأثاب إلى رستم أصحابهُ وجُنوده، وقطعوا عمرو بن معدى كرب، فوقف في وسط العجم يجالدهم بسيفه - وهو على متن فرسه - حتى طُعن فرسه فسقط الفرس، ووثب عنه عمرو كالأسد، وجعل يضارب القوم لا يدنو منه رجل إلا جلده، وتحاماه القومُ. فنادى قيس بن هبيرة المكشوح وقال: