فجاء ابو الخير بن عمرو لقومه ... بداهية عن مثلها يكشف البصر
طماطمة فرس تنوش جعابهم ... على صفحات الخيل هولا لمن نظر
وأقبل ابو الخير إذا انتهى إلى كاظمة ومعه ذلك الجيش - فلما نظروا إلى وحشة بلاد العرب قالوا: أني يذهب بنا هذا؟ فسموه، فلما اشتد وجعه قالوا له: قد بلغت هذه الغاية فأكتب لنا إلى الملك أنك أذنت لنا، فكتب لهم فانصرفوا راجعين إلى كسرى، وخف عن ابي الخير ما كان به، فخرج إلى الطائف إلى الحارث بن كلدة الثقفي - وكان طبيب العرب - فداواه حتى صح، وأهدى اليه سميه وعبيدا هما أبو زياد وامه - ثم ارتحل يريد اليمن فانتقضت به علته فمات في الطريق. فقالت أمه كبشة بنت الشيطكان بن جديح بن امرئ القيس بن ربيعة بن معاوية بن الحارث الاصغر ترثيه:
ليت شعري وقد شعرت أبا الخير ... بما قد لقيت في الترحال
أتمطت بك الركاب أبيت ... اللعن حتى حللت بالأقبال
اشجاع فأنت اشجع من ليث ... هموس السرى إلى أشبال
أجواد فأنت أجود من سيل ... تداعى من مسبل هطال
أكريم فأنت أكرم من ضمت ... حصان ومن مشى في النعال
أنت خير من عامر وابن وقاص ... وما جمعوا ليوم المحال
أنت خيرمن الف الف من القو ... م ما كبت وجوه الرجال
فلما مات ابو الخير استقام الامر لمعدي بن كرب بن معاوية بن جبلة ابن كندة، وهو الاشعث بن قيس الكندي.
ثم كان بعده ابنه قيس ابن معدي بن كرب ملك كندة بعد ابيه وهو الذي قدم عليه الاعشى ممتدحا، وله فيه قصائد كثيرة ومدائح فيها: من ذلك قصيدته التي يقول فيها:
اتهجر غانية أم تلم ... ام الحبل واه من منخذم
في شعر طويل وقال فيه - يمدحه ايضا - القصيدة التي اولها:
لعمرك ما طول هذا الزمن ... على المرء إلا عناء معن
في شعر طويل، فلم يزل قيس بن معدي بن كرب ملكا على كندة بعد موت ابيه إلى ان قتله مراد: وولى قتله منهم عمرو بن نزال المرادي، ثم ولى امر كندة وملكهم من بعد ابنه الاشعث بن قيس بن معدي بن كرب، فكان الاشعث ملك كندة، وهو آخر ملوكهم، فلم يزل ملكا إلى ان جاء الاسلام، وأدرك الاشعث الاسلام، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم وبسط له رداءه واجلسه عليه، وقال: إذا اتاكم كريم قوم فأكرموه، ويروي كريمة قوم فأكرموها، وهذه الهاء للمبالغة كقولهم للرجال نسابة وعلامة. وقد لاوي عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا الفعل في جماعة كلهم قحطانية، منهم الاشعث - وقد مضى ذكره - وجرير بن عبد الله البجلي - وكان سيدا مطاعا، وزيد بن المهلهل الطائي الفارس المشهور والرئيس المذكور الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كل موصوف لي فرأيته كان دون ما وصف إلا أنت يا زيد الخير فسماه النبي صلى الله عليه وسلم إلا زيد الخير وكان في الجاهلية اسمه زيد الخيل - ثم أدرك الاشعث ابن قيس صفين، وكان جماع اليمانية اليه، وربيعة للحلف، وهو الذي زحزح معاوية بن سفيان عن الماء، يوم صفين، فأفرج عن مكانهبعد ان كاد يقتل أهل العراق عطشا فقاتله على الماء، حتى نحاه عنه، وهو مع ذلك يمد رمحه ويقول للناس: قاتلوا إلى اخر الرمح فإذا بلغ آخر الرمح أخذه فأعاده الثانية وقال قاتلوا الثانية إلى اخره. فلم يزل كذلك إلى ان هزم أهل الشام عن الماء، ومن ارتجازه في تلك الليلة قوله:
موعدنا اليوم بياض الصبح ... لا يصلح الزاد بغير
لا ولا الامر بغير نصح ... لا صلح للقوم وما للصبح
حسبي من الاقدام قاب رمحي ... دبوا إلى القوم بطعن