للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما وصل كتاب فتح المهلب، إلى عبد الملك بن مروان، ولاه خرسان، وجوارها، كلها ففتح اكثر ثغورها، فأتاه المغيرة بن حينا الخنظلي، فقال له: ايها الامير ان الشعراء مدحوك، فأطالوا ومدحنك فاوجزت. قال له كيف قلت:

امسى العراق سليبا لا غيلب له ... الا المهلب بعد الله والمطر

من ذا يجود ويخمي عن ذمارهم ... وذا تعيش به الاتعام والشجر

سهل عليهم حليم عن مجاعلهم ... كأنه فيهم الصديق اة عمر

يزيده الحربوالاهوال ان حضرت ... رأيا وحزما يجلو وجهه السفر

فقال له المهلب سلني: قال بكل بيت عشرة الاف درهم فاعطاه اربعين الفا.

قال دعبل بن علي الخزاعي، يذكر حرب المهلب، وقومه من الازد، للازارقة، واجلائهم عن البصرة، وذهاب الخوف عن أهلها، ورجوعهم اليها نبعد ان اجلوا منها، قوله:

فاما الازد ازد أبي سعيد ... لا هوان اسميه الأمينا

فنعم الوكل حين يرام دفع ... ونغمة خيرة المتخيرينا

هم الاسد الذين علمت معد ... يحوط بكل معركة عرينا

هم رفعوا البصيرة فاستقلت ... وقد ساحت باسفل سافلينا

وقد عزمت قبائلها ارتحالا إلى الاعراب خوفا ان يحينا

وكادوا ان يكونوا بعد عز ... وبعد الهجرة المتعدينا

فلما قيل أين أبو سعيد ... تنادوا اننا بك مرتضونا

وكانوا كلما ذكروا سواه ... ترى منهم اباء كارهينا

فقادهم إلى الهيجاء شيخ ... قديم يقدم المتعرضينا

اخو العزمات يحسرها أعز ... تضي بياض غرتها الدجونا

يرشح مشركا ودعا يزيداً ... اليها والمغيرة والحرونا

هؤلاء كلهم ولد المهلب، وقوله والحرون، يريد حبيب بن المهلب، وذلك انه إذا اشتدت الحرب هم عليهم همة لا تلوي عن يمينه ولا عن شماله، فسمي الحرون لذلك. وكان إذا انهزم اصحابه لم يبرح مكانه، وكان من احسن اولاد المهلب رأيا في أمر الحرب، كثيرا ما كان المهلب يشاوره في حروبه فيتيمن برأيه:

وقلدها المفضل مستقلا ... وعبد مليكهم وأبا عيينا

ومروانا وقلدها زيادا ... وكان محمد فيها ضمينا

وأوقدها قبيضة واصطلاها ... وقد يصلى الحروب الموقدونا

نتائج غارة وملى حروب ... تشيب قبل مولده الجنينا

فإن تكن الليالي قدمتهم ... فقد وسموا يمجدهم السنينا

فخلى العار عن نسوان قوم ... حيارى ضاق منهن البرينا

فاضحى الشيخ بعد الشيب فيهم ... تحن الغانيات به الجنونا

احب إلى النساء ابو سعيد ... من الأزواج عند المصلتينا

يفدى بالبعولة كل يوم ... ويدعى باسمه في الغائرينا

يعني إذ أذهب المهلب الخوف عن أهل البصرة، وأجلى الجيش عنها، في انفس النساء أبر من ازواجهن ز وقد كان المهلب لما طال الحرب بينه وبين الأزارقة، وعمى على الناس الخبر، طاش الخبر بالبصرة، ان المهلب قد مات، فهّم أهل البصرة بالنقلة إلى البادية حتى ورد كتابه بالفتح، وما قتل منهم. فأقام الناس، وتراجع من كان خرج منهم إلى البادية. وقيل في ذلك اليوم، يقول المهلب، متمثلا بشعر ابن البرصي:

تأخرت استبقى الحياة فلم أجد ... لنفسي حياة مثل ان اتقدما

إذا المرء لم يغش المكارة أوشكت ... حبال الهوينا بالفتى ان تجذما

وفي ذلك يقول بعض النتمثلين:

أبا سعيد جزاك الله صالحة ... عن العراق ليالي الحرب يلتهب

والناس في فتنة عمياء مكذبة ... والدين مهتجر والفئ ينتهب

لولا دفاعك إذ حل البلاء بهم ... لأصبحوا من جديد الأرض قد ذهبوا

واقام المهلب نبعد الفنح نعلى ولاية خراسان، خمس سنين، ثم توفي بمرو الرحود، سنة ثلاث وثمانين، وهو ابن اثنين وسبعين سنة.

<<  <   >  >>