فما أنا بالباكي عليك صبابة ... ولا أنا بالداعي لترجع سالما
وأقبل يزيد في جماعة من أهل بيته وقواده، على قدم الحجاج بواسط، فقال له الحجاج: أما ان رسولي أخبرني انك أسرجت ولم تلجم. فعرف يزيد أن الخيار في ذلك اليه، فأسرها يزيد في نفسه للخيار، ثم أن الحجاج أخذ يزيدا بمال. فقال له: آتني بمن يكفل لك، وأخذ من بني المهلب مدركا، وزيادا، وعبد الملك، وأبا عيينة، ثم حبسهم لانتظار عزل المفضل، وكتب إلى قتيبة بن مسلم، وهو الذي تعمده على خراسان.
فكتب اليه: أن سر إلى المفضل، حتى توقع القبض عليه، وسر الليل والنهار، واياك أن تعلم بخبرك أحدا، حتى تكون أنت القادم عليه بخبرك. فسار قتيبة حتى دخل على المفضل، فأوقع القبض عليه، ثم بعث به إلى الحجاج، فلما تحصل عند الحجاج، تمكن من بني المهلب، وبعث إلى يزيد والى من في يده من بني النهلب فحبسهم واستأذاهم، وسلط عليهم العذاب. فسمعت هند أصواتهم، وهي بنت المهلب، عند الحجاج، فصرخت، فلما سمعها الحجاج خاف منها أن تقتله، وطلقها، وبعثها يوما إلى يزيد، فجيئ به في قيوده فأقيم بين يديه يشمته الحجاج، فقال له يزيد: استأذن لي في الكلام.
الحجاج: قد أذنت لك، وما عسى أن تقول.
يزيد: أصلح الله الأمير، ما نعرف شيئا مما أنعم الله علينا الا من الله، ومن أمير المؤمنين، وعلى يدي الأمير. ولنا الأموال ولنا جاه ولنا عشيرة. فإن رأى الأمير أن يسهل علينا في الدخول لعشيرتنا ووجوه رجالنا، فنرجو أن ندفع إلى أميرنا ما طلب منا.
فأمر الحجاج أن يؤذن بالدخول لمن أراد الدخول عليهم.
ثم كتب الحجاج إلى قتيبة، أن سل الخصين بن المنذر، فإن كان أشار على يزيد بما بلغنا، فاضرب عنقه. فسأله، فأنكر.
قال قتيبة: فما قال الناس عنك، انك قلت:
أمرتك أمرا حازما فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الامارة نادما
الحصين: انما قلت له، وقد أشرت عليه أن يحمل ما كان عنده من الأموال، وأمرته بالمسيرة إلى الحجاج. فقلت:
أمرتك أمرا حازما فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الامارة نادما
فإن يبلغ الحجاج ان قد عصيته ... فإنك تلقى أمره متفاقما
فأقام يزيد واخوته في السجن، وهم يؤدون الأموال، فلم يزالوا على ذلك إلى أن احتال يزيد لنفسه ولاخوته، حتى تسللوا من السجن وخرجوا منه بالحيلة من حيث لا يشعر بهم السجان، ولا أحد من الناس، وقد هيئت لهم الخيل فركبوها من وقتهم وركضوها حتى بلغوا آخر عمل واسط في الدجلة، فركبوا في السفن حتى وردوا البصرة ولم يدخلوها، وقد هيئت لهم الدواب والابل، وبعث بها اليهم فركبوها حتى قدوما على سليمان بن عبد الملك ليلا بفلسطين.
ونزلوا برجل من الأزد يقال له عثمان بن المحصن، فأقاموا عنده ثم ارسلوا إلى سليمان بخبرهم، فأمر سليمان الرجل الأزدي أن أبلغهم داره، فأقبل بهم حتى بلغهم داره، فأكرمهم وأجازهم.
ثم بعث إلى الوليد يخبره خبرهم، وانه قد أجازهم، فأجاز الوليد جوار سليمان. فلما بلغ إلى الحجاج كتب إلى الوليد: لا يتخذن ذلك علة، فلعمري ما ذهب به غير بني المهلب، أكثر أضعافا مضاعفة.
ثم ان سليمان ضمن عنهم ما كان بقي عليهم من مطالبة الأموال، وأخرجها من أعطيات أهل الشام من القحطانية وغرمها، عن بني المهلب.
ثم مات الحجاج بن يوسف ليلة الجمعة، لأربع ليال بقين من شهر رمضان سنة خمس وتسعين، وكانت امارته على العراق عشرين سنة.
وكان على عمان يوم مات الحجاج، الخيار بن سيرة المجاشعي، فأقره الوليد بن عبد الملك على عمان، وأقر يزيد بن المهلب على خراج العراق. فبعث يزيد بن أبي مسلم، سيف بن الهاني الهمداني إلى عمان، لاستيفاء صدقاتها، ثم مات الوليد بن عبد الملك يوم السبت النصف من جمادى الآخر سنة ست وتسعين.
واستخلف سليمان بن عبد الملك يوم مات الوليد بن عبد الملك، فعزل العمال الذين كانوا على عمان واستعمل عليها صالح بن عبد الرحمن بن قيس مشرفا ومستوفيا عليهم، ففعل ذلك.
ثم استخص يزيد بن المهلب فأكرمه ورفع من شأنه، وولاه أمر العراق وخراسان، وجعله مكان الحجاج. فولي يزيد بن المهلب أخاه زياد بن المهلب، عمان. وكتب إلى سيف بن هاني الهمداني يأمره بإيثاق الخيار بن سيرة وحبسه والاحتفاظ به إلى أن يقدم عليه زياد بن المهلب.