للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقدم مسلمة بن عبد الملك، بأسرى آل المهلب، إلى أخيه يزيد بن عبد الملك - لعنه الله - فجمع يزيد إلى بنيه وقواده ومن حضر من أهل وجوه الشام. فاستشارهم فيهم. فقال مسلمة: يا أمير المؤمنين، قال الله - عز وجل -:) إذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا اثخنتم فشدوا الوثاق فإمّا مّناً بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزراها (. وقد قتل الله طواغيتهم، وأمكن منهم وأظفرك ببقيتهم، فامنن عليهم. فإنه لم يبق منهم أحد تخافه. قال العبد الصالح:) رب لاتذر على الأرض من الكافرين ديارا انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا الا فاجرا كفارا (. والله لا ينبغي لأمير المؤمنين أن يستبقي منهم أحدا فإنهم آفة العراق. ومتى لم يبق منهم أحد كنت قد حصنتها.

قال يزيد: هذا والله الرأي، لا رأي أبي سعيد، وأمر بإخراجهم ليقتلوا، وكان في الأسرى دريد بن حبيب، زري به فقتل، ثم قتل الأول، فالأول، حتى بقي المهلب بن يزيد، وكانا حدثين فلما أمر بقتلهما.

قال أحدهما: والله ما أنت، ولا وجب عليّ حدّ، ولا قتلت.

قال يزيد لمسلم بن عقبة، وارجأ بن حبوة: قوما فانظرا هل أنبتا.

قال: مسلم: قد أنبت.

وقال ارجأ: لم ينبت.

فقال يزيد: اضربوا أعناقهم.

فقال المهلب ليزيد: أما والله يا يزيد ما حاكمتك الا إلى الحكم العدل الديّان بالقسط الذي لا يجور.

فقال يزيد: اضربوا أعناقهما.

فنظر المهلب إلى سيف السياف، وقد علا رأسه ملطخا بالدماء، فقال له: امسح سيفك من الدم قّبحك الله، ولعن من أمرك، فإنه أسرع له، فأهوى السياف لمسح سيفه. ونظر المهلب إلى أخيه، فإذا عينه قد دمعت، فعض على شفتيه كالزاجر له. فقال يزيد: قاتلكم الله صغارا وكبارا، ما أشجعكم. ثم قتلا، فقالت فاطمة بنت المهلب في ذلك:

فإن الذي حانت بفلح دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد

هـ ساعدوا الدهر الذي تبقى به ... وما خير كفّ لم يؤيد بساعد

أسود شرى لاقت أسود خفية ... يساقوا على لوح دماء الأساود

وقدمت هند بنت المهلب، إلى يزيد تسأله فيمن عنده من أهل بيتها. وكان موافاتها من الشام في عشية اليوم الذي قتل في نسمتها آل المهلب. فبعث اليها مسلمة يخطبها. وكان رسوله اليها رجل يقال له سياف. فلما أبلغها الرسالة قالت: كفء كريم، ولكن يأمني مسلمة على نفسه، وقد قتل اخوتي، والله لو أن مسلمة أعاد فيهم الروح، ما طابت نفسي بتزويجه، وقد كنت أحسب لمسلمة عقلا. فانطلق الرسول إلى مسلمة فأخبره بمقالتها، فقال: صدقت ابن المهلب، وما كان ارسالي اليها إلا هفوة، ثم أقبل على من حضره م أصحابه، فقال: كنت أحسب أن الشجاعة في رجالهم، فإذا هي في رجالهم ونسائهم جميعا.

وانما اقتدى يزيد بن عبد الملك في قتله آل المهلب، جبرا بين يديه، لفعل بن معاوية - لعنهما الله بيت نبي الله صلى الله عليه وسلم ليرى أهل الشام انه قتل أهل بيت أعز العرب في وقته، كما قتل ابن معاوية - لعنه الله - أهل بيت بني الله صلى الله عليه وسلم فضربت العرب بهذين البيتين المثل، فقالوا:

أضحى بنو حرب بالدين بكربلاء ... وأضحى مروان بالمروة ويوم العقر ببابل

فيوم كربلاء، يوم قتل الحسين بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، ويوم العقر، يوم قتل يزيد، وحبيب، ومحمد، وآل المهلب. وقال الفرزدق، يرثى يزيد بن المهلب:

لا حملت أنثى ولا وضعت ... بعد الأعز أصيب بالعقر

ذهب الجمال م المجالس كلها ... وخلا لفقدك مجلس القصر

كنت المنوه باسمه لملمة ... حدثت تخاف وطارد الفقر

وزعيم أهل عراقنا وقريعهم ... واليك مفزعنا لدى الذعر

قال الطرماح بن حكيم الطائي، للفرزدق التميمي، يعيره بفرار بني تميم عن يزيد بن المهلب، يوم عقر بابل:

فخرت ليوم العقر شرقي بابل ... وقد جبنت فيه تميم وولّت

تميم بطرق اللوم أهدى من القطا ولو سلكت سبل المكارم ضلّت

ولو أن عصفورا يمد جناحه ... لأهل تميم كلها لاستظلت

ولو أن برغوثا على ظهر قملة ... يكر عليها صفا تميم لولّت

ولو جمعت يوما تميم جموعها ... على ذرة معقولة لاستقلّت

<<  <   >  >>