وكانت ارض مأرب، من كهلان وولده، للأزد بن الغوث وولده، خاصة دون اخوتهم من بني كهلان. وكان اخوتهم من سائر ولد كهلان ينزلون الأطراف، من ارض اليمن، وغيرها. وكانت مأرب مدينة عظيمة، عليها سور من الصخر، لا يقل الصخرة الا خمسون رجلا. وكان السور مسيرة عشرة ايامن من قصر مشيد، إلى ظل ممدود، إلى سور متصل. وكان الاقدمون من اجدادهم، قد بنوا سدا، يحبسون به الامطار، إذا جاءتهم. وكانت الامطار لا تأتيهم، انما يأتيهم سيل لا يدرون من اين هو يغشى فيجيئها. ويقال ان ارضهم، هي الجزر، التي ذكرها الله تعالى، في كتابه:)) أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الارض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم ((إلى آخر القصة. ويروي عن علي بن أبي طالب، انه كان يقول: ان طول السد، الذي بنوه، يحبسون به الماء، ثمانون فرسخا، وعرض جداره ثلث ميل، وارتفاعه مثل ذلك. مع أساس قد عمق وفرش فيه الصخور.
وكان الله سبحانه وتعالى، قد ألان لهم الحجارة، من قبل طلوع الشمس إلى زوالها، ومن الزوال إلى العشاء، وكانوا يباركونه بالغداة كالطين، أو كالعجين. فيوضعونه في الاساس، ويدخلون بعضه في بعض، ويجعلون ملاطه الرصاص المذاب، وجعلوا فيه ابوابا مبوبة، وقناطر معقودة، وركبوا عليها أوصادا من حديد محكمة.
وكات جنتاهم من وراء السور، وقصورهم داخل الجنتين. والجنتان كل تؤتي اكلها كل حين. وكان أحدهم إذا اراد الماء رفع تلك ألابواب التي تلي جنته بابا، فخرج الماء إلى جداول تخترق في قصورهم، وجناتهم، وحدائقهم، واذا استغنى ارسل الباب. وكانوا قد غرسوا على ذلك الماء الجنتين اللتين ذكرهما الله تعالى في القرآن عن يمين وشمال وظللوها حتى كان لا تدخلها الشمس ولا الريح وكان من امرهم كما ذكر الله تعالى.
وحدثنا سعيد، عن قتادة ن عن الحسن ن في قوله عز وجل:)) لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال ((. قال الحسن، كان واد بين جبلين ثمانية عشر ميلا. فكان كما قال الله عز وجل، جنتان: جنة عن يمين الوادي، وجنة عن يسار الوادي، ملتف بالشجر، ومنازلهم بين ذلك. ومن وراء الجنتين مزارعهم. وكانت أزكى ارض الله يومئذ، وهلها أخصب أهل اليمن. وكان شربهم من اعلى الوادي، من عين تخرج من ثقب في ذلك الجبل، فأن شاءوا سدوا ذلك الثقب، فأمسكوا الماء، وان شاءوا فجروه.
وكانت الكهنة تخبرهم ان هلاك واديهم من قبل سيل يجيئهم في عين شربهم، فبنوا على تلك العين بنيانا بالحجارة والرصاص، لا تخرج اليهم من الماء، الا بقدر. مما خوفوا من السيل. فكانت الجنتان عن يمين الوادي، وعن شماله. وكان الوادي ملتفا بالشجر.
قال: فكانت المرأة تخرج من مأرب، إلى بلد الشام، تريد بيت المقدس، ومغزلها في يدها، ومكتلها على رأسها، بلا زاد. وكانت إذا ارادت الاكل اصابت مكتلها مملوءا كله ثمر، مما القته الريح من غير أن تجتنيه، فتأكله.
ولم يكن في بلدهم سبع، ولا حية، ولا شيء من الهوام يخاف منه. وقال الله، تبارك وتعالى:)) وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما آمنين فقالوا ربنا باعد بين اسفارنا وظلموا انفسهم فجعلناهم احاديث ومزقناهم كل ممزق ((، إلى آخر القصة.
قال الكلبي: وذلك ان الله تعالى ارسل اليهم رسلا، فدعتهم إلى الله عز وجل، وامرتهم بالشكر والمغفرة لما عليهم من نعمة، فكذبوهم. وقالوا: ما نعرف لله علينا من نعمة، ومازلنا في هذا الذي نحن فيه، وآباؤنا من قبلنا، وهذا من عمل آبائنا. وذكر قول الله عز وجل:)) لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور، فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ((إلى آخر القصة.