للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم رحل عمرو بن عامر من مأرب، وحمل أثقاله وعياله عنها. ورحل معه مالك بن فهم الازدي في ولده وقومه. وساروا جميعاً فلم يلبث القوم الا قليلا بعد مسيرهم، حتى اتى الجرذ على الردم فاستأصله، فلم يفاجأ القوم ليلة بعدها هدأت العيون، إذ هم بسيل قد أقبل، فأحتمل انعامهم وأموالهم، وخرب الجنتين، ومنازلهم، وسال بجنتيهم سيل العرم، فلم يبق الا الأثل والخمط وشيئ من سدر قليل. فسال السيل بما كان فيها من الخير والأكل فلم يبق بواديهم إلا الخمط، وهو الأراك والأثل، وهو الطرفا، والسدر، وهو النبق، فكان كما قال الله في كتابه، إلى اخر القصة.

وقيل ارسل الله مطراً على صدور أوديتهم، التي يجخمع فيها سيلها إلى السد، حتى سالها، فسمع ذلك من تخلف عنهم، فاشرفوا ينظرون إلى السيل فأقبل سيل احمر، كأن فيه النيران امامه كالرجل الفارس. فلما خالط الفارس سدهم، انهددم سدهم، انهدم السد، فغشى الماء ارضهم، فاحرق شجرهم، واباد انعامهم وكان الرجل ياخذ ابنه وامراته، فيصعد بهم الجبل، وفرارا من الماء، فنضب الماء على سدر واثل، وكل ذلك قيل، كما قال الله تعالى.

ومضى عمرو بن عامر، ومالك بن فهم، ومن تبعهما من قومهما وعشائرهما من الازد، فاقبلوا في خلق كثير، لا يعلمه الا الله تعالى، من العدد والعدة والخيل والسلاح والوقية، واستاقوا الغنم والابل والشاة، وغيرها من البقر، واجناس السوام، وكانت الخيل السائمة عندهم عدد هذه الانعام كثرة وعددا، وساروا باجمعهم لا يدرون ما كثر اوقل الا ونزفوه وسحوه، ولا ينزلون بلدا الا وطنوه، وغلبوا اهله عليه وقحطوه واجدبوه. حتى نزلوا ببلاد عك بن عدنان بن عبد الله بن الازد بن الغوث، وملك عك يومئذ سلقمة.

وكان بينهم وبين عك حروب قتل فيها من الفريقين. ثم استباحوا عك وقتلوا سلقمة، ولك عك، بعد قتال ايام جرت بينهم الخيل في الدماء.

ومات عمرو بن عامر، ببلاد عك، فملكوا امرهم ابنه ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء.

ثم ضربت لهم الرواد في بلاد، تلتمس لهم المراعي والموارد والكلا. فخرج من الرواد ناس إلى ارض اخوتهم من حمير، فرأوا بلادا ضيقة لا تحملهم، ولا تقوم بمواشيهم مراعيها ومياهها، مع ما فيها من كثرة اهلها، فأقاموا في بلاد عك، ما اقاموا، وما حولها، حتى استمرت خيلهم ونعمهم وماشيتهم على الحجر ثم ساروا منها وتخلف منهم في عك وثولان ابنا الحارث بن أبي الحارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء.

وساروا فلما مروا ببلاد فهزمت الازد همدان، خرجت اليهم همدان فحاربتهم عن بلادها فهزمت الازد همخدان. ثم اقامت الازد ببلاد همدان، واقاموا على المسير منها إلى غيرها، وتخلف من الازد همدان، وما اقاموا على ابن زيد بن الفرار بن الازدي، ووداعة بن عمرو بن عامر. ثم ساروا حتى انتهوا إلى يلاد مدجح، فخرج اليهم أهل الحنق، وهو بنو احكم بن سعد العشيرة بن مدحج فحاربت الازد عن بلادها، فهزمت الازد. ثم ساروا، وتخلف منهم رجاء بن عمرو بن الازد. فلما انتهوا إلى ارض بجران، خرجت اليهم مدجح في قبائلها، فقالوا الازد في الليل، ثم ظفرت بهم الازد فهزمتهم. واقاموا في بلادهم سنين ثم بدا لهم المسير فساروا وتخلف عنهم ربيعة وكعب ابنا الحارث بن أبي حارثة بن عمرو بن عامر، فأقاما هناك، ودخلا في بني عمرو بن عامر بن علة بن مدجح ومالوا بنو الحارث بن كعب بن عمرو بن علة مدجح.

ثم ساروا حتى انتهوا إلى تبالة وبشة، واهلها خثعم وبجيلة أبناء انمار بن اراش بن عمرو بن الغوث بن نبت بن زيد بن كهلان، فناصبوهم الحرب، فهزوتهم الازد، وظفرت بهم، ثم ساروا حتى قاربوا مكة، ومعهم طريفة الكاهنة. فقالت لهم: سيروا فلن تجتمعوا، ومن خلفتم فهم لكم الاصل، وانتم لهم فرع. ثم قالت: مه مه، وحق ما اقول، وما علمني ما اقول الا الحكيم الحكم رب جميع النسم من عرب ومن عجم. قالوا لها: ما شأنك يا طريفة. قالت خذوا البعير الشدقم فخضبوه بالدم، يهزمون من تحتهم، وتجتثون اصل جرهم، خزان بيته المحرم بيت خليل ربه المعظم، ذلك النبي إبراهيم.

<<  <   >  >>