للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما توجهت غسان نحو الشام، وشارفوا أرضها، بلغ خبرهم الملك على بلاد الشام، وهو الضجعم. فجمع جموعه فلقيهم الضجعم، من حول الشام. فقاتلوه في حديث طويل. فقتلوه وأبادوا عسكره. ثم وقعت بين ملك الروم وبين هذا الحي مهادنة على شرط، فأقاموا بينهم على ذلك. حتى كان من والي الروم وهو المنذر بن السبيط الضجعي، وخدع ما كان من وقوع الفتنة هناك، عند ذلك قتل جدع الوالي. وقال جذ من جذع، فذهبت مثلا.

ثم التقت الروم وغسان ببصرى، وهي مدينة حوان فظفرت غسان، ولم تزل تقتل الروم، حتى الحقتهم بالدروب، وغلبت غسان. وفي ذلك يقول بجيه بن الأسد بن أبي الدعلاء الغساني:

ايما ضربة سيف صقيل ... يوم بصرى وطعنة نجلاء

وعموس تصل فيها الأسى ... ويعيي طبيبها بالدواء

حلفوا بالصليب يوم التقينا ... ليردن صولة الملحاء

فصيرنا هناك للطعن حتى ... جرت الخيل بيننا في الدماء

ووضع التاج عند ذلك على رأس جفنة بن عمرو بن عامر. وبني أحد عشر اطما، فيها المجلس المعروف بجلق، وولد له عمرو، والحارث ابو جفنة، تم الملك فيهم وفي ولدهم، إلى أن جاء الله بالإسلام، وكان آخر ملوكهم جبلة ابن الأيهم، الذي ارتد أيام عمر بن الخطاب، رضى الله عنه. وقد أوردنا قصته مع العمر الخطاب.

وقال حسان بن ثابت يذكر انخزاع خزاعة بمكة، ومسير الأوس والخزرج إلى المدينة، وغسلان بالشام:

فلما هبطنا بطن مرو تخزعت ... خزاعة عنا في حلول كراكر

حموا كل واد من تهامة واحتموا ... بصم القنا والمرهفات البواتر

فكان لها المرباغ في كل غارة ... تشن بنجد والعجاج الغواير

خزاعتنا أهل اجتهاد وهجرة ... وأنصارنا جند النبي المهاجر

وسرنا فلما هبطنا بيثرب ... بلا وهن منا ولا بتشاجر

وجدنا بها رزقا غدا أمر تفينت ... من النار غاد بالخلال الظواهر

فحلت بها الأنصار ثم تبوأت ... بيثربها والأعلى خير طائر

بنو الخزرج الأخيار والأوس انهم ... حموها بفتيان صباح مساعر

نفوا من طغى في الدهر منها ودينوا ... يهودا بأطراف الرماح الخواطر

وسارت لنا سيارة ذات قوة ... بكوم المطايا والخيول الجماهر

يؤمون نحو الشام حتى تمكنوا ... ملوكا بأرض الشام فوق المنابر

يصيبون فصل القول في كل خطبة ... إذا أصلوا ايمانهم بالمحاصر

أولاك بنو ماء السماء توارثوا ... دمشقا بملك كابر بعد كابر

تمت، في شعر طويل.

فلما حاربوا أهل مكة، وصاروا أهلها جاءهم بنو إسماعيل، وقد كانوا اعتزلوا حرب جرهم، ولم يدخلوا في ذلك. فنالوهم السكنى معهم وحولهم، فأذنوا لهم فلما رأى ذلك مضاض بن عمرو بن المضاض الجرهمي وكان آخر من ملك مكة، من جرهم، وهو مضاض الأصغر بن عمرو بن مضاض الأكبر بن عمرو بن سعد بن الرقيب بن ظالم بن لحيّ بن أبي بن جرهم، فأرسل إلى خزاعة يستأذنها في الدخول إليهم، والنزول معهم بمكة في جواره، ومت إليهم برأيه وتوريعه قومه عن القتال، وسوء السيرة في الحرم، واعتزله الحرب. فأبت خزاعة ان يفهم عن الحرم كله، ولم تتركهم ينزلون معه. وقال لحيّ، وهو ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر، لقومه: من وجد منكم جرهميا وقد قارب الحرم، فدمه هدر.

فنزعت إبل، المضاض بن عمرو بن مضاض بن عمرو الجرهمي من اقتونا، تريد مكة، فخرج في طلبها، حتى وجد اثرها قد دخلت مكة، فمضى على الجبال من نحو أجياد، على ظهر أبي قبيس، ينتظر الابل، في وادي مكة، فأبصر الابل تنحر وتؤكل لا سبيل له اليها، فخاف ان يهبط الوادي أن يقتل، فولى منصرفا إلى أهله، وأنشأ يقول:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ... أنيس ولم يسمر بمكة سامر

ولم يتربع واسطا فجنونه ... إلى المنحنى من ذي الاراكة حاضر

بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ... صروف الليالي والجدود العواثر

<<  <   >  >>