للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما قرأ أخوه هذه الأبيات دخل من ساعته على كسرى فأخبره بما من النعمان إلى عدي في حبسه اياه، فغضب كسرى من ذلك وكتب إلى النعمان مع رجل من المرازبة يسأله ان يمن عليه بالاطلاق لعدي بن زيد من حبسه وترجيعه اليه فإنه قد احتاج اليه في بعض امروه، فأقبل الرسول إلى الحيرة فبدأ بعدي فدخل عليه في حبسه فأعلمه انه قدم بكتاب كسرى إلى النعمان باطلاق عدي وبعثه اليه فقال عدي للرسول: انه لابد من الدخول عليه حتى اوصل اليه كتاب الملك، وبلغ النعمان قدوم كسرى عليه في امر عدي في مجلسه، وانه يريد ان ينطلق به معه قبل دخول الرسول عليه، وان عديا إذا اتى كسرى افسد عليه الحال التي بينه وبين كسرى فأرسل من ساعته قبل دخول الرسول عليه إلى عدي ثلاثة نفر، وامرهم ان يأخذوا بنفسه حتى يموت ففعلوا به ذلك، ودخل الرسول على النعمان بكتاب كسرى، فلما قرأه قال للرسول: انطلق اليه فأخرجه فإنما كان حبسي اياه ملاعبة ومزاحا، فأنطلق الرسول إلى الحبس فصادف عديا ميتا، فأنصرف إلى النعمان فأخبره بذلك، وقال: ايها الملك ما قتل عديا غيرك وانا عائد إلى الملك ومخبره بذلك، فأعطاه النعمان الف دينار، وسأله ان يزين ارمه عند كسرى ويعلمه ان عدياغ مات فجأة.

واخبر كسرى بذلك وبقتل عدي، وان عديا كان له ابن يقال له زيد فلما بلغ مبلغ الرجال خاف من النعمان على نفسه ان يلحقه بأبيه، فخرج زيد من الحيرة هاربا نحو المدائن، ودخل على كسرى فتعرف اليه واخبره ان زيد بن عدي بن زيد فقربه كسرى وبره والطفه، وامر له بصلة جزيلة زجعله كاتبه بالعربية وترجمانا بينه وبين العرب على مرتبة ابيه.

وكان زيد وأبوه من قبله جده زيد ماهرا باللسان العربي واللسان الفارسي، وبالخطين العربية والفارسية.

وكانت لملوك العجم للنساء اللواتي يصلحن لهن صفات معروفة مثبتة في خزائنهم، فأذا ارادوا شيئا منها وجهوا في ذلك خصيانهم ودفعوا اليه تلك الصفة ليتحتذي عليها، وان كسرى عند قدوم زيد بن عدي وجه خصيا في طلب اختيار تزويج بعض النساء اللواتي يصلحن ودفع اليه نسخة تلك الصفات فقال زيد بن عدي: أيها الملك ان للملك النعمان بنتا تسمى حرقة، واختا تسمى سعدى وبنت عم تسمى لباب، هن جميعا على هذا النعت وهذه الصفة المسطرة في هذا الكتاب. فقال كسرى. فأكتب كتابا على لساني إلى النعمان، فاسأله ان ينعم لي بتزويج هؤلاء النسوة الثلاث ان كن على ما ذكرت، وامر ذلك الخصي ان يقصد في ذلك النعمان.

فقال له زيد ابعثني معه أيها الملك، فقال كسرى، انطلق معه، فسار معه حتى قدما الحيرة ودخلا على النعمان، فدفعا اليه الكتاب، فلما قرأه قال بالعربي، ولم يكن الخادم يفهم العربي: أما في عين السواد وفارس ما يغني الملك عن نساء العرب الحمس السود، فقال الخصي لزيد: ما يقول الملك. قال له زيد بالفارسية يقول: أما في نفر فارس والسود ما يغني الملك عن العربيات السود، الالوان الحمس السوق، وانما اراد النعمان بالين بقر الوحش والعرب تنسب النساء ذوات الجمال اليهن.

وغير زيد اللفظة في ترجمة الخصي فخرج الخصي مغضبا من ذلك، وخرج معه زيد حتى قدما المدائن، ودخلا على كسرى، فأخبره الخصي بما كان من مردود النعمان، وحرف زيد بن عدي عنده الكلام على النعمان، فوقع ذلك في قلب كسرى فدخله العتب في نفسه عند غضب منه، وان النعمان خرج إلى طئ يحاول منهم الطاعة، فقد كانوا منعوا الاتاوة، فهربت منه طئ حتى لحقت عظمؤها بالجبلين واقبل النعمان حتى اتاهم بالجبلين فامتنعت منه طئ بالجبلين فحاصرهم، ثم رجع عن محاربتهم إلى الحيرة.

وبلغه ان كسرى قد مسه من اجله عتب شديد، عند غيظ قد دخله لما كان من تحريف زيد بن عدي للخصي في جواب النعمان بن المنذر، وقد كان أغلظ عنده القول في النعمان، فلما بلغ ذلك النعمان، اشتد عليه وخشي ان يفسد الحال بينه وبين كسرى فأجمع رأيه على الخروج إلى كسرى والزيارة له معتذرا وينفي عن نفسه ما قد حرف عليه من القول وخاف من غائلة كسرى وسكره، عند قدومه عليه، فجمع عند ذلك اهله وولده، وخدمه وابنته خرقة وابنته وائلة وخيلة وسلاحه، ودروعهن واودعها هانئ بن مسعود ابن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان وهو الذي بالزدلف.

<<  <   >  >>