إن المرء قد يتعدى عليه بالكلام، أو تصيبه إهانة من قذف أو ما ماثل مما يدعو أن يكون ذليلا عند قومه، أو أن يحقر دخيله، أو نزيله، أو ينال جسرة أو يرمى بسرقة أو أن يسرقه جاره أو أن يكون قد نهى عن امرأة يريد التزوج بها من أقاربه فلم يلتفت الى نهيه ... وعلى هذا يطلب من خصمه حق هذا التعدي، وأن يصير معه الى العارفة ليتحاكم معه وهذا الحق هو الحشم المعروف، واذاترتب على المعتدي وجب فصله والا عرض نفسه لخطر (العقر) .
وهذا هو المعروف عندنا بدعوى (الشرف) ... فإذا لم يرضه المعتدي فله حق التعويض بنفسه، وأن يركن الى قوته ... وهنالك العقر أو (التعجير) . أو التطبير وفي الغالب لا يجري إلا بقتل دواب لمعتدي، واتلاف أمواله وهكذا ... في تاج العروس " أصل العقر ضرب قوائم البعير، أو الشاة بالسيف وهو قائم والعقر بالضم دية الفرج المخصوب. أو ثواب تثابه المرأة من نكاحها، أو هو صداق المرأة. وقال الجرهري هو مهر المرأة إن وطئت على شبهة ... " ونرى اليوم معناه واضحاً في انه اذا اعتدى أحد على عفاف امرأة أو أهين بما يستدعي الحشم أو قتل منه أحد أقاربه وكان في حالة (فورة الدم) فمن حقه أن يعقر ... وأهم خصيصة فيه أن تقتل الحيوانات قتلا، أو تقطع قوائمها، كما تقطع قوائم البيت، وهو تعويض عن انتهاك حرمة عفاف أو ما يتعلق به وفي الأخريات تبعاً لا أصلاً ...
والحشم لا ينتهي إلا بثلاث هويات أي ثلاث هجومات على أموال عدوه هذا على حين غرة أو يخرب بيته ... (وفي شمر طوقة له سبع هويات، ثم يفصل بامرأة ... ) فإذا تمت فليس له بعدها أن يتطاول على مال غيره وذلك إذا لم ينته الفصل بصورة الحل من طريق العارفة بصورة حاسمة، وفي فورة الدم فيها العقر، ويسوغ حتى القتل، فإن العقر يراعى في ذلك. والحشم ورد ذكره في أمالي القالي (١) . وجاء في القرآن الكريم (فلما آسفونا انتقمنا منهم) .
ويراد به كل ما يغضب المرء ولكنه اختص في الأمور المذكورة أعلاه وهو انتقام عن اهانة ... وتبريد غلة من تجاوز واقع ... والتعويض عنها؛ وذلك يعدّ بمقام استعادة مكانته وحشمته، أو إزالة ما دعا أن يغضب له بترضيته ... وحل مطالب مثل هذه يلاحظ فيه قطع النزاع وأن لا يتطاير الشرر، ويزيد المكروه:
قد يبعث الأمر العظيم صغيره ... حتى تظل له الدماء تصبب
وفي الآية الكريمة (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) . والعارفة يأخذ أحياناً ستة من الابل قضوة له ...
[١٦ - الجروح والشجاج]
وهذه عليها عتبة أي أنه إذا ظفر به يأخذ منه حقه، وأما إذا كانت الشجة مشوهة، أو معطلة لعضو فيؤخذ نصف الدية فما دون، وقد يؤخذ، لكل خطوة نعجة حتى يعود الشج لا يشخص ... وفي بعض السقط الحاصل يكون التعويض تقديرياً أو تابعاً لدرجة تدخل المصلحين والارضاء ...
[١٧ - الدخالة]
والقاتل قد لا ينجو في هربه، وإنما يعقب من أقارب المقتول، ويتبع فلا يعطى له مجال للهزيمة في غالب الأحيان. وإذا علم بأن سوف يدرك ولا يتمكن من النجاة مال الى الرئيس أو من هو في قدرة على حمايته فيطلب منه المناصرة لدفع الطالبين فقط، وأن يمنعهم عنه فإذا قال أنا دخيلك نجا الى مدة ثلاثة أيام بلياليهن حتى يبلغ مأمنه وهذه يقال لها (استجارة) ووردت في القرآن الكريم وليس لأحد أن يتعرض بالمستجير الى ان يتمكن من وصول محل منعته ... وهكذا يتحول من قبيلة الى أخرى فاذا وصل الدغيرات من عبدة أمن وهذه تحميه وتقتل من يمسه بسوء ما دام نازلا عندها ...
وللقبائل موطن حماية يقال له المجلى على ما سيجيء ... وعند حرب خاصة إن القاتل يستطيع أن يدخل على الرئيس ويأخذ منه وجها الى أن يصل الى المجلى أو المحل الذي يرغب أن يستوطنه؛ وإن إهانة الدخيل أو التجاوز عليه يخول حق الحشم والمطالبة به ولكن مدته عند حرب خاصة شهران وعشرة أيام، وفي هذه الحالة تسوغ حرب قتل من ينتهك حرمة الحشم ...
١٨ - المجلى والجلاء