ولعل حوادث العلاقات بنجد غير بعيدة منا. وكان المسّير لها الدولة العثمانية بسبب النزاع المباشر واستغلالاً لما كان يقع بين امارة آل سعود والمنتفق أو آل السعدون أمراء المنتفق. وان بحثها يطول فى علاقتها بابن سعود ومقدار تمكن هذه الحوادث فى حربها وسلمها، وفى هدوئها وثورتها، وفى كل أمر من أمورها مما يسوق الى المعرفة الحقة، ويميط اللثام عن السياسة العشائرية من وجوهها الخارجية نحو العثمانيين، ونحو ايران، والموالى وابن سعود ... وفيها ما يبصر بالحالة نوعاَ.
والحوادث دليل النشاط، وظاهرة القدرة تنجلى فى ربحها أو خذلانها. وفى كلها يتبين لنا (تاريخ الامارة) سياسياَ كما ان حياة العشائر تظهر فى ظل هذه الامارة، وفى صلاتها بالخارج. وربما كانت فى هذه تبدو (الصلات العشائرية) للمجاورين، والالفة أو النفرة بينها.
وفى هذه ما يسوق الى المعرفة التامة. فان حالة الالفة، واوضاع الخلاف كل هذا يبصر بالمراد قطعاَ. ولا شك ان الامر أجل من أن يهمل مثل هذه الوقائع، وحياة المجاورين تتعين فى العلاقة بهذه الامارة.
ولا يهمل ما وقع من تدابير متخذة لامر فل القوة أو جعلها بحالة ضعيفة لا تستطيع مقاومة الحكومة أو الدولة فى تدابير القضاء على امارتها باقتطاع أجزاء منها من جهة البصرة، ومن انحاء العمارة، ومن أطراف السماوة لفصل سلطة بعض العشائر. وحوادث ذلك تدعو الى ما ينبه على السياسة المتبعة. أو ما اتخذته هذه الامارة من تدابير لدرء الخطر الذى شعرت به، وفى كل هذه تدهشنا ناحية مهمة وهى ان العشائر لم تنفصل عن الامارة، وانما ناضلت معها نضال المستميت ودافعت دفاع الابطال ...
وعلى كل حال نرى فى الحوادث ما يبصر بوجه عام بتاريخ العشائر وتاريخ الامارة وصلاتها بالدولة والحكومة وبمجاوريها فلا نعجل بالامر، ولعل فى هذه ما يعين حياة العشائر فى رئاستها وامارتها، وفى أصل حياتها. ومن أجل ما هنالك كيفية ادارة هذه الامارة داخلا وخارجاَ ولو بوجه الاجمال، مما يؤدي الى المعرفة الحقة، والوقائع تكشف أكثر. وكلما توغلنا فى معرفة هذه الوقائع الهمتنا السياسات المختلفة لهذه الامارة فى مختلف عصورها ...
الا أن الحوادث الاخيرة أقرب الينا واولى بالدراسة بترجيح (١) .
[عشائر المنتفق]
هذه قوام الامارة وظهورها بمجموعات كبيرة منها يتكون اللواء المعروف ب (لواء المنتفق) . كانت بينها وحدة عظيمة يرجع الفضل فيها الى أمراء المنتفق، ومواهب القدرة والجدارة فيهم بادية وغالب وقائع العراق مما يخصها، أشتغلت الحكومة كثيراً بل أذاقت السلطة الحاكمة العطب. لم تذعن لضيم. وقدرة امارتها ظهرت فى حسن ادارتها، والطاعة المطلوبة من العشائر مقرونة بالاذعان الصادق. وفى نفرة الاجنبى مشهودة فى ما جرت من حروب. حاولت مرارا أن تكون صاحبة الامر فتتمكن من ازالة السيطرة وتيسر لها ذلك أحيانا، فاستمرت بين قوة وضعف، فهى بين ادارة مستقلة، أو أذعان رسمى، أو انقياد وقتى وربما دام مدة.
وحالة المنتفق المشهودة فى مختلف ايام حياتها خير مثال تاريخى يعين الاوضاع والنفسيات فى حب الاستقلال والنضال عنه، والذب عن حريمه. والمهم أن المنتفق ناضلوا نضالا باهرا طوال العهد العثمانى. ولو كانوا تسلحوا بالاسلحة الجديدة لحالوا دون آمال الدولة. بل أكسبتها الحوادث المتوالية خبرة، والظروف القاسية تجربة فكم وال خذل، ورجع بالخيبة، وكانت تعقد عليه الآمال. وتاريخ المنتفق صفحة كاشفة لسياسة العشائر فى العراق تجلت بأظهر أوضاعها. وفيها دراسة عميقة وافية لنفسيات هذه العشائر. وما بلغته.
وعشائر المنتفق من حيث العموم (عدنانية) . سكنت العراق من القديم توالى ورودها، وتكاملت وكأن جزيرة العرب مالت الى أنحاء العراق، وجدتها مفتحة الابواب. ويتخلل هذه عشائر قحطانية من زبيدية وحميرية عاشت معها، واكتسبت أوضاعها الا أن الاكثرية الساحقة عدنانية. ويطلق عليها (عشائر المنتفق) .