وكذا المشاهد ان العرب استمرت هجرتهم الى العراق وسائر الارياف حينما كانت تتكاثر نفوسهم وكانت الجزيرة لا تفي بسكانها، او لاحوال اضطرارية فتعود مادتها لا تفي لسد الحاجة والعوز من قحط وغيره، او لتدافع آخر عدائي او اتفاقي مما لا تحصى اسبابه.. فنرى الوقائع التاريخية ونصوصها متضافرة في طريق الهجرة ... لا للعراق وحده وان الانساب لا يعتمد دائماً على ماعينته من تسلسل الأجداد وعمودها ... وإنما يجب أن يكتفي بالاجمال لارتباط القبائل واتصالها دون أن يعوّل على تعداد الأجداد وذكرها اعتماداً على الحافظة.. وسيرد من الأمثلة الكثيرة ما يؤيد قولنا من هذه الناحية ...
ويلاحظ هنا ان العرب في انسابهم هذه، وترتيبها واستقرارها، واشتقاق قبائلها، والطريقة التي راعوها فيها صار معوّل جميع الأمم وعليه مشى أكثر المؤرخين للأقوام والشعوب الأخرى إجمالا أو تفصيلا فجعلوا اسم الأمة جداً أعلى فوصلوه بأولاد نوح (ع) ثم الأقوام التالية اعتبرت أولاد ذلك الجد، وان الفروع الأخرى أولاد أولاده ... وهكذا حتى رتبوا أنسابهم بهذا الوجه.. فالعقلية العربية مشت على هذا النحو في أنسابها لما رأته من اشتقاق فروعها ... ولما تناقلته من أنسابها بواسطة النسابة المعروفين لديها.. وان هذه يداخلها بعض الارتياب في الصعود والنزول من ناحية التفريعات للأسباب المذكورة، ولاختلاف أعمدة النساب بين هؤلاء.. وكذا القول في من تابعها على هذا النحو.. فهو يصدق من جهة الإجمال ويرتاب فيه من التوغل في التفصيلات والأحوال الأخرى ... لقصر في الحافظة وبعد مدى في النقل.
ولا نرى صحة للقول بأن العرب اشتقوا من الكلدان والاثوريين.. وإنما المعروف أن هؤلاء نزحوا من جزيرة العرب فكانوا أول من حكم العراق منهم أو عرف انه حكم العراق، ثم تلاهم غيرهم وهكذا توالت الهجرات وآخرهم من نراهم اليوم وهم أكثر عرب العراق الحاضرين ... فهم في اتصال به وارتباط دائم ومستمر ... ولا يفسر القول بأنهم أصل العرب إلا أن يكون العرب ساروا بحذافيرهم من الجزيرة ولم يبق إلا القليل النادر فكان هؤلاء القليلون يحفظون أنسابهم بأنهم من أولئك. وهذا لم يقم عليه سند. في حين إن قدم الموجودين في الجزيرة مقطوع به ...
- ٩ -
[القبائل وفروعها]
[١ - القبائل]
قبل الكلام على القبائل العراقية ومكانتها في العراق لزم ان نتكلم عن البيت أو الأسرة وكيفية تكوّنهما في البداوة إذ هما اساس الفخذ والعشيرة فالقبيلة فالامارة بالنظر للتشكيلات الحاضرة وانها نتيجة الماضي.
ولما كان للتشكيلات الاجتماعية خواص يمتاز بها بعض الأمم عن البعض الآخر وإن اتفق الكل على الاجتماع، وشعر بالضرورة لوجود أو تعيين نهجه.. فللوصول الى هذا الغرض سلكت الأمم والجماعات سبلاً مختلفة ومتباينة أو متفاوتة كل جماعة فكرت أنها هي صاحبة الطريقة المثلى، والصالحة المرضية.. وبالرغم من اختلاف الأمم والأقوام وتعارض المصالح بين بعضها وبعض نراها متحدة من حيث الغاية والغرض. ولكن البيئة ولدت ما يجب سلوكه ...
واليوم لما تعرفت بعض الجماعات أو الأقوام ببعضها صارت تسعى الى مراعاة الأوصاف القويمة، والاجتماعيات المقبولة لدى الأخرى لتكون مشتركة بين الكل ومتفقة عليها شأنها في إدارة الحكومة، والحقوق الدولية بين الحكومات، واقتباس خير القوانين، أو الاستقاء من معينها، والاستفادة من تجارب الأمم ومجرياتها.. مع نبذ الأمور البالية والرديئة..
ذلك عدا ما يعترض هذه من موانع قومية، وعنعنات، واعتيادات فالفكرة سائرة الى اتباع الأحسن وتمثيله، ومراعاته بقدر الحاجة وما تسمح به الظروف المسهلة للأخذ. فلا تخرج الأوضاع الاجتماعية عن هذا النهج وما يتعلق به من صلات أو يرتبط من علائق ...
إن درس أوضاع الأمم هذه وما هي عليه ضروري إلا أن المطلوب هنا تدوين بعض ما اتصفت به الأمة العربية من خصائص واضحة، وأوصاف جلية.. من طريق العشائر والقبائل فإن أكثر ما تظهر هذه الخصائص في العشائر وأساساتها الاجتماعية، والتعرف بأصل بنيتها القومية مما يتعلق بقطرنا خاصة فإنه أقوى في المعرفة وأقرب للتناول في البحث والتنقيب وتدوين ما يظهر ...