وكأن الرجل من هؤلاء ابن قريته، أو قبيلته التي عرفها باسمها العام الشامل. ولا نشاهد أسرة تعرف أكثر من أنها أسرة، ولا تعلم اتصالها بغيرها الا أن تكون من أسرة إمارة أو ما ماثل مما يدعو للاحتفاظ ... والرجل بعد أن يكبر، ويستطيع أن يعمل لنفسه لا يرون ضرورة للاحتفاظ به، أو الاتصال الأبدي ومن ثم ينفصل من أسرته، ولا يعرف غير نفسه وغير قريته أو قبيلته.
لا نرى للأسرة فروعاً تمت اليها. وبين أيدينا قبائل عديدة، ليس لها ما يؤيد تفريعها. وأسرة الأمراء مستثناة، تحفظ لنفسها بذلك، ولا تتجاوز الحالة غيرها.. والأمثلة كثيرة في قبائل عديدة، ويعرف ذلك من تفرعاتها، أو من البحث في القبائل ومن مجموعها لا نرى ارتباطاً في الأسرة، أو صلة دائمة مستمرة اللهم إلا أن تكون في القرية، أو في المحلة. والألفة المحلية بل المجتمع مدار التعارف. وهو أصل لا يهمل شأنه في التفسير ...
[القبيلة]
أو العشيرة من أغرب ما نرى في الكرد أنهم ليس لهم قبيلة أو عشيرة بالوجه المعروف عند العرب، إلا أن نريد بها " المجتمع الصغير "، فيصلح أن يقال هنا عن العشيرة أو القبيلة انها المجتمع الصغير. والملحوظ أنها من جملة أسر متماثلة، ويصح أن يقال عن بعضها أنها من أصل واحد أو من أسرة واحدة. وهذا لا نرى له اطراداً في الكرد، ولا في إيران.
تحققنا كثيراً، فلم نجد ما يعين أن القبيلة تنتسب الى جد واحد، بل في الغالب الى محل أو قرية وكأن هذه القرية هي جد وأصل. مما يدل على الارتباط المكين بين الكرد ومواطنهم على ما نرى في مباحث القبائل وتحقيق أسمائها. ولا مجال لقبول انها من جد واحد، بل كل من يساكنها يعد نفسه منها، وينسى أصل ما درج منه إلا أن تكون مجموعة عرفت قبل أن تتمكن وذلك من طريق الهجرة، أو النزوح أو الغوائل. وربما يكون من أصل أو جد إلا أن هذا غير مقصود، وإنما كان من مقتضيات طبيعتها.
والأمثلة " بلباس "، و " دزه يى "، و " طالباني " فهذه منسوبة الى مواطن على ما سيأتي توضيحه في محله، والأفخاذ غالبها قرى، أو أسماء رؤساء اشتهروا، فعرفت بهم، أو الذين حلوا بعض المواطن، وبنوا فيها فسميت بأسمائهم. ولا دليل لنا أكبر من الأمثلة المشاهدة والقريبة العهد في التكون. فإنها بأسماء الأشخاص أو المواطن، أو التلول التي بجانبها، أو الأنهار. وهكذا مما لا يحصى عده.. والآثار التاريخية تشير الى هذا. وكل عشيرة أو قبيلة نوضح بقدر الإمكان منشأ تسميتها. فلا نتوسع هنا في أمر تأتي أمثلته العديدة، والغرض إلفات الأنظار الى تكون العشيرة أو القبيلة بصورة عامة.
وعلى كل حال تتألف القبيلة من أسر مجموعة في موطن، ولا يشترط أن تمت كلها الى جد واحد، وقد تتصل بحيث تعد كلها متصلة بجد، ولكن هذا لم نتحققه في عشيرة بكل فروعها.. ولعل معنى العشيرة في العربية يصدق على هذه، فالألفة هي واسطة الاجتماع، والتكاتف للأسر أكبر دليل على أنها قبيلة لا غير..
وقد سألت بعضهم فبين أنه ساكن في هذه القرية، ولا يدري غير ذلك، وهكذا آخرون مما لا يدع ريباً في أن القوم لا يعرفون سوى قراهم، وسوى رؤسائهم وأكابرهم. فهم الكل في الكل (١) . وتارة تسمى القرى باسم رئيسها العام المتسلط عليها، ويستمر اسمه الى أولاده فمن بعدهم إن دام حكمه، وبقي أمره نافذاً عليهم. ومثل هذه لا تعين الغرض المطلوب في القبائل العربية، ومن ثم نجد الاختلاف في بنية الجماعة وتشكيلاتها وارتباط بعضها ببعض.
هذا وللأمراء والرؤساء بحث خاص بهم، فلا نتوسع في سلطتهم وإدارتهم هنا حذر أن يتداخل موضوع في آخر مثله. وكل ما نقوله هنا أن الرؤساء والأمراء العامين ناظمو وحدتهم وعقد اتصالهم وواسطة توحيد مجتمعهم وكيانهم. وقد بسطنا في عشائر العراق الكلام على تكون الأسرة والقبيلة العربية ومنها يعرف الفرق (٢) .
[الرؤساء والأمراء]
كل قرية لها رئيس يقال له (كتخدا) ، أو (تشمال) ، أو (كوخه) بالنظر للمحال والمواطن ومصطلحاتها، وهؤلاء لهم كل السلطة على القبيلة، وحق إدارتها فلا يخرجون عليهم ولا يتجاوزون رغبتهم، ولا يخالفون أمرهم ...