كل هذه مما يسبب سكنى العشائر والتنقل بهم من الحضارة إلى البداوة، أو الأرياف ... وقد يكون المرء ابن بادية في الأصل ولم تنقطع علاقته من البادية فتعن له سكناها ويحن إلى أهله وأقاربه ... فيعود. وقد شاهدنا الكثيرين حينما يزول المانع لهم يعودون لباديتهم إذ لم ترتكز وسئلها في أذهانهم بعد، أو لم تنل رغبة منهم ولم تحبب إليهم. نرى هؤلاء يوردون المثل البدوي المعروف (عنّت عليّ ديرة هلي (١ ".
هذه دواعي التنقل من البداوة إلى الأرياف، فالمدن وبالعكس، ولا نطيل القول بأكثر من هذا ...
[٨ - الجمع والتقسيم]
وعلى كل يجب أن نرجع تقسيم القبائل إلى الجذمين المذكورين وبيان قبائلهما كل واحدة على حدة بالتفصيل ... سوى أننا نلاحظ بعض الأوصاف من البداوة أو الريفية، ونقدم بعض القبائل البدوية التي تقربت إلى الحضارة ولم تقبلها بعد، ثم نذكر القبائل الأخرى من ريفية ... ولم نفصل بين القحطانية والعدنانية إلا أننا نشير إليها حين الكلام عليها.. ولا نفوت الاجمال عن خصائص كل ... فلا نراعي الترتيب ونكتفي أن نشير إلى العدنانية والقحطانية ... ونعين أصل القبيلة سواء كانت من أحد هذين الجذمين أو متحيرة ... كما أننا نذكر موطن القبيلة مجموعة أو متفرقة، ونقدم قوائم في القبائل المشهورة الموجودة في تقسيماتنا الادارية تسهيلاً للمعرفة معززين لها بخارطة. وبهذا نكون قد جمعنا بين الحالات والأوضاع المعروفة ...
- ٢ -
[القبائل البدوية]
ومن يمت إليها يهمنا جمعاً بين القبائل المشتركة الصفات من بعض الوجوه: أن نجعل القبائل مجموعتين أساسيتين وهما (القبائل البدوية) وخصيصة البداوة تجمعها، لبروز هذه الصفات فيها.. ومن أهمها التنقل دون تقيد بمكان خاص، تتبع الكلأ وتراعي الغزو ...
و (القبائل الريفية) تميل إلى الأرياف وتتعاطى الزراعة وما يتعلق بها من تربية المواشي وما ماثل ...
والقبائل لا تخرج عن هاتين الخصيصتين ولكن قد تتداخل فترى من هؤلاء من قد مالوا إلى الأرياف، أو ركن بعض أهل الريف إلى البداوة ... وهم أقرب إلى التداخل بالنظر لما يجدون من الأحوال التي تدعو لمثل هذا التطور، والأوضاع.. وبيانها بهذه الصورة لا يغير ماهية الموضوع.
هذا والآن نرى أن نبحث عن أشهر القبائل البدوية وخصائصها ونبدأ بقبائل شمر ...
- ٣ -
قبائل شمّر
[١ - أصل شمر]
إن المدوّنات عن هذه القبيلة قليلة جداً وهي قحطانية، ذكرها الحمداني فقال: " بنو شمر بطن من العرب مساكنهم جبلاً طييء أجأ وسلمى بجوار لام ". كذا نقل صاحب السبائك (السويدي) ولم ينسبهم إلى قبيلة، وهذا محمول إلى أنه لم يتصل بهم ولم يتحقق ذلك من رجالهم، وآخر من ذكرهم القزويني قال: " شمر بالتشديد والتخفيف. قبيلة من العرب ذات بطون تنسب إلى شمر ذي الجناح من قحطان منهم في نجد ومنهم في العراق ومنهم في الموصل إلى سنجار. والظاهر أنهم ينسبون إلى شمر يرعش بن افريقس بن ابرهة ذي المنار أحد ملوك التبابعة من اليمن ... " اه.
وما ذكره من أنه الظاهر فليس بظاهر، والنسبة التي نسبها غير معروفة. كما أن التخفيف لا قائل به، ولكن القزويني راعى اللفظة في قواميس اللغة ومعانيها وليس لدينا من العرب من ينطق بالتخفيف ويريد هذه القبيلة ...
وقال الحيدري: " ومن أجل عشائر العراق شمر وهم عدة قبائل.. وتبلغ قبائل شمر مائة ألف نفس فأكثر وحمائلهم آل محمد من طييء. وجميع قبائلهم تعود إلى قحطان.. " اه.
وقال البسام: " شمر من ذرية حاتم ... من سكان الجزيرة وهم أكرم العشائر وأرفعهم عماداً، وأكرمهم أخولاً وأجداداً، وأصحهم في ذكر المكارم اسناداً، وأقدم في الحرب.. وشيخ هؤلاء يقال له (الجربا) وسقمانهم ألفان وفرسانهم ألف ومائتان ... " اه.
والمنقول المحفوظ عنهم أن شمر ليس جداً وإنما هو وصف لحقهم وذلك أنهم آخر من خرج من اليمن وكانت قد ألحتهم السنون فهاجروا إلى أنحاء أجأ وسلمى فدفعوا بعض القبائل وأزاحوهم عن مواطنهم. فشمروا عن ساعد الجد وأوعز إليهم رؤسائهم ب (شمّروا) . ومن ثم دعوا ب (شمر) واللغة تساعد على هذا التفسير قالوا: