وكان فى ذلك الوقت الشيخ ناصر والشيخ بندر فى بغداد. الا ان هذا الاخير توفي فى اليوم التالي من تعيين الشيخ منصور، أما الشيخ ناصر فانه ثار فى وجه أخيه وأشاع اشاعات من شأنها أن تثير الاهلين، وتحرضهم على القيام على الدولة. فعارض أمر القائممقامية. وكان قطع بأن هذه الفتن كلها جرت فى الخفاء على يد الاستاذ سليمان فائق، وعده أصل القلاقل فى المنتفق، والتزم قتله، فلم يوفق لما جاء تفصيل ذلك فى تاريخ العراق.
وعلى كل عارضوا بتحول المشيخة الى قائممقامية واعلنوا العصيان ونهبوا المؤن المرسلة من لواء الحلة الى البصرة نهرا. وهي المرتبات الحجازية. ولم يكتفوا بهذا وانما قطعوا الخطوط البرقية بين بغداد والحلة وكان تمديدها من زمن قريب بقصد أن يعظموا الامر فى عين الدولة. بقي المحاسب ثلاثة أشهر غير مسموح له بالخروج وان كان معززا فى الظاهر. ثم أذنوا له بالعودة وان ادارة القائممقامية لم تطل أكثر من شهرين فثارت الزعازع.
أما نامق باشا فانه بعد المشاورة قرر لزوم اصلاحهم بالقوة. وأثناء مداولة المجلس المنعقد من الملكيين والعسكريين وردت برقية من (القيادة العامة) توصي بالتأهب واستكمال العدة قبل الاقدام على الحرب، وان ينتظر اشعار آخر.
ذلك ما دعا الوالي ان يعيد المشيخة. نقل ذلك الاستاذ سليمان فائق عن (محمد أمين اقندي كاتب العربية) وكان قد عهدت اليه مهمة (باب المشايخ) (١) . فاسندت المشيخة الى الشيخ فهد العلي الثامر سنة ١٢٨٠هـ - ١٨٦٣م بموجب شرطنامهء كتبت باللغة العربية.
وفى أيام تقي الدين باشا ندد الاستاذ ببقاء الحالة. وبين أن اعادة المشيخة على حالها لا يأتلف وسلطة الدولة، وأظهر لزوم توسيع سلطة الدولة وتقويتها، فملأ الجرائد والصحف باستنبول من التنديد بأمور المنتفق، ودعا الى لزوم القضاء على امارتهم، وذكر قسوتهم وظلمهم الى آخر ما قال. ولكن هذا الوزير ابقى المشيخة كما كانت، وأقرها على حالها.
[اضطراب وتجربة]
ثم ولي بغداد مدحت باشا، سنة ١٢٨٦هـ - ١٨٦٤م. وكانت امارة المنتفق شغل الدولة الشاغل، وهذا الوالي علم أن الاستاذ سليمان فائق من العارفين بأمور المنتفق، فطلبه ببرقية من البصرة، لاستطلاع الحالة، فجاء مسرعا.
بسط الحالة للوالي. فأجابه عن كل ما سأل. وفى هذه الايام اوشكت مدة الالتزام أن تنتهي، فدعا الوالي ناصر باشا الى بغداد للمزايدة فاعتذر وطلب الامهال الى أن تنتهي المدة. فعاد الاستاذ الى البصرة. فانقضت مدة الالتزام، واجريت التشكيلات الجديدة فى البصرة، ثم دعي الاستاذ سليمان فائق الى بغداد، وفى خلال تأخر ناصر باشا تمكن الاستاذ من الاتصال بفهد بك ولازمه، وأقنعه بأن تترك بعض المواطن وتعطى المنتفق ببدلاتها السابقة لا أكثر ...
هذه نوايا الحكومة، وآمالها ظهرت على لسان متصرفها ...
جاء ناصر باشا الى بغداد فى ٢١ ربيع الاول سنة ١٢٨٦هـ - ١٨٦١م، وواجه مدحت باشا فقال له هل ترغب فى التزامها بالبدل السابق بعد أن تترك بعض المواقع. وهى: ١ - المدينة. ناحية من نواحي القرنة.
٢ - جزائر البصرة.
فاستمهل للاجابة.
فاضطربت افكاره، وصار يضرب أخماسا لاسداد ... وكان وضعه حرجا، لا سيما وان فهد بك بالمرصاد ويخشى منه ان يقبل بالشروط أو بما يوافق أكثر.
أما الوالي فقد كانت مقدرته عظيمة، كان يأخذ الفكرة، ولم يبد خطة الحكومة ومرادها، ولم يعتمد على الاستاذ سليمان فائق ولا على غيره لا انه كان يراجع ما يورد من الآراء، وهو سائر على خطة..!! وكانت نتائج المفاوضة أن تمكن ناصر باشا من اقناع الوالي تأييدا لرغبته فى أن يجعل المنتفق (لواء) وان يكون متصرفه ويقوم بما يطلب منه ... وبذلك وافق الوالي وأعلن رغبة الدولة. وذهبت المساعي الاخرى هباء. وكان الاستاذ سليمان فائق يريد أن تكون خالصة للدولة رأسا فلم يوافقه هذا الحل وعد التدبير قد فشل. ولكن الوالي أراد ارضاء ناصر باشا وان يجعله طوع ارادته منفذا لآماله ... ! ولم يكن هذا من نوع التدبير السابق أو عينه ليكون فاشلا.
أعلن ذلك معاون الوالي. وقال الاستاذ سليمان فائق. ذهبت المذاكرات بيني وبين الوالي سدى بهمة من رائف معاون الوالي، ووساطة من اليهودى عزرة الصراف الذى ندد بهما الاستاذ كثيرا، فأحيلت متصرفية المنتفق، لعهدة ناصر باشا لصداقته واخلاصه ... !!