وفى هذه التجربة لم ير بدا من الاذعان، ووافق على بناء حاضرة اللواء فى تلك الانحاء، ورأى أن لاطائل وراء معاكسة الدولة، والاقارب فى تزاحم ونضال على الرئاسة ... فاذا قبل غيره خسر الصفقة ... وفى ٢ جمادى الاولى من سنة ١٢٨٦هـ سار الى المنتفق، وعين عبد الرحمن بك قائممقام الهندية معاونا له، وعبد الباقي الألوسي نائبا، والحاج سعيدا محاسبا وكان من موظفي محاسبة الالوية ...
عاد ناصر باشا الى المنتفق لاجراء التشكيلات، فوصل، ولا يزال فى غبار سفره، وقبل أن يؤسس الادارة فيها اذ كلفه الوزير ببعض الامور العشائرية ... فاشتعلت نيران الفتنة وكثرت (حروب عفك والدغارة) .
دعاه الوالي بنفسه فجاء بمقدار كبير من العشائر الخيالة، فكانوا فى صحبته فقام بالمهمة الى أن تمت الغائلة فشكر الوزير خدماته.
أوضحنا ذلك فى تاريخ العراق بين احتلالين. وكانت آمال الوزير استغلال مسالمة المنتفق لبناء الناصرية ولاغراض مهمة قام بها ومن أهمها حادث الاحساء. ولعل لبناء الناصرية الاثر الفعال للقضاء على امارة المنتفق.. فكانت أعمال الوزير موفقة وتستحق كل اكبار من دولته. قرَب ناصر باشا وارضاه واستغله لاموره الاخرى. ولكن سخط الدولة عليه دعا أن تفسر فى غير ما هو صالح لها..
وان ناصر باشا لم ير بدا من تنفيذ رغبات الوالي فبنى بلد (الناصرية) باسمه فى سنة ١٢٨٦هـ - ١٨٦٩م. وبذلك ألغى فعلا امارة المنتفق بتأسيس هذه المدينة فصارت مركز اللواء، وكانت مقدمة الاستبلاء على هذه الامارة.
[انقراض امارة المنتفق]
اتخذ العثمانيون تدابير جمّة للقضاء على الامارات داخل العراق لما ازعجتها بأوضاعها وبأمل أن تكون الدولة صاحبة الامر. ولم يكن القضاء على امارة المنتفق بالامر السهل. واذا تم فى وقت عاد فى آخر.
ولعل أهم سبب ان هذه الامارة فقدت الوحدة، وان الاذعان اختل ووسائل الاحتفاظ بالوحدة زالت. لتوالي الحروب، ولطموح الرؤساء وتنازعهم الزعامة فتعددت الكفاءة فيهم. وان رجال العشائر انهكتهم القسوة من الحكومة لما رأوا من التزام وارهاق فيه اضطر الكثير الى هجر أوطانهم والميل الى ايران أو الى الانحاء الاخرى المجاورة.
ساقت الدولة قوة على المنتفق للقضاء على الامارة. ولو لم تسق لكانت النتيجة واحدة الا ان الجيش عجل بالمهمة. وكان ركون الدولة الى ذلك استعانة بالاسلحة الجديدة التى لا تطيق العشائر صبرا على تحمل نيرانها. يضاف الى هذه النزاع على المشيخة والمزايدات فى الالتزام واختلال أمره حتى أدى الى سوء الحالة. فالعشائر لا تطيق ارضاء الامارة، ولاتتمكن من سد نهم الحكومة، فتولدت المصيبة وتحملتها العشائر على مضض. وربما كانت السبب الرئيسي في هذا الانقراض.
وأول ما فعلته الحكومة أن جعلت كل عشيرة مسؤولة رأسا نحوها في حاصلاتها. فأرادت أن تقوي منزلتها من نفوس الاهلين، فتساهلت. وهكذا كان بناء الناصرية عاملا مهما فى اتخاذ مركز للدولة في وسط اللواء للتسلط على العشائر. والحالة تنطق بالوضع أكثر من مئات المؤلفات الا أن الحوادث تعين على الحل الصحيح.
ويهمنا بيان ان انقراض الامارة مسبب من الدولة. اتخذت جملة تدابير للقضاء عليها، فأدى الامر الى بذل جهود عديدة بلا جدوى. لحد أن الدولة كادت تظهر العجز مع أنها استخدمت أكابر رجالها للمهمة فلم تكن مثل بابان، ولا العمادية، ولاغيرهما.
حدثت الواقعة سنة ١٢٩٧ هـ - ١٨٨٠ م. وكانت تقدمت العشائر وجعلت أمامها نحو الفين أو ثلاثة آلاف من الابل. وكان الموسم أواخر الصيف.
وصرت آذانها بالزفت وركبها بعض الفدائية فساقوها على الجيش وهجموا عليه. وكانوا حملوا الابل رملا، وصاروا يذرونه ليشوشوا الهدف.
وكان رئيس الفيلق السادس عزت باشا قد باشر القتال بنفسه وكان موقفه خطرا جدا وصار يحرض على القتال وأبدى الضباط بسالة فائقة ونيران المدفعية أصابت الاهداف وتمكنت فأضرت ...
وكانت العشائر تعاهدت على الدوام على الحرب، فأزعجت البصرة ليلا ونهارا تطلق البنادق وتشعل نيران الحروب. انتصر الجيش على العشائر بعد ان أبلى البلاء المشهود.
وجرت الواقعة في أنحاء الحي في مقاطعة أم الشعير. وهذه المقاطعة في تصرف الشيخ عبد الله الياسين رئيس عشائر مياح.