هذا ولم يعلم ابن سند ان المخاطرة بلا أمل نصرة شطط وكان الجيش منهوك القوى فصادف على حين غرة أناساً مستريحين وقد عقلوا ابلهم وصاروا ينتظرون الحرب بهدوء وراحة فكف الجيش عن قتالهم ومال إلى جانب للأسباب المذكورة ولأحوال حربية ... والظاهر أنهم أرادوا أن يسحبوا عدوّهم بحيلة حربية فيعقبوا أثرهم فلم يحصل مطلوبهم ولم يفلحوا. فانقضت الوقعة بسلام ...
ولم يقف فارس الجرباء وقومه عند هذا الحد بل ازداد نفوذهم فإنهم أزاحوا العبيد وغيرهم وتمكنوا في مواطنهم، جاءوا بين النهرين - الجزيرة - في باديء الأمر بقصد أن يردوا المواطن وبعد ذلك جاءهم فارس بقوم كثيرين فوقعت بعض الحروب المؤلمة ...
ومما تناقلته الألسن أنه حين ورود فارس الجزيرة دعا رؤساء القبائل المجاورة وقدم لهم منسفاً كبيراً جداً (جفنة) فيه الطعام الكثير وفي أطرافه سكاكين مربوطة بأمراس لقطع اللحوم، فاستعظموا ما رأوا وحسبوا الحساب لما وراءه وكان بين المدعوين رؤساء العبيد والجبور. وإن رئيس قبائل الجبور أبى أن يأكل بحجة أنه صائم لئلا يمنعه الملح والزاد من أن يوقع بهذا الرئيس أو يغدر به وشاور أصحابه فيما أضمر له في أن يقتلوه فيأمنوا شره قبل أن يتوارد إليه قومه ويعظم أمرهم. فلم يوافقه سائر الرؤساء لأنه نزيل ولأنه لم يأت محارباً فاضطر إلى العدول عن رأيه ...
ومن ثم تواردت شمر حتى عظم أمرها، واحتلت الجزيرة، فدفعت هذه القبائل إلى أنحاء مختلفة، فمالت قبيلة العبيد إلى الحويجة، وأزاحت البيات إلى أماكنهم الحالية. وهكذا جرى على الجبور فتفرقوا ...
وفي هذه كان الايعاز من الحكومة فأغرت على هذه القبيلة، وقد صور ابن سند مكانة فارس آنئذ فقال: " كانت لفارس وابن أخيه بنية أيام الوزير علي باشا أبهة عظيمة وصدارة " اه. (١) فتقلص ظل العبيد وكاد يمحى فعبروا إلى الحويجة. ولا يزالون بها إلى الآن وان رؤساء القبيلتين يذكرون هذه الوقائع التي ولدتها السياسة واستغلت القدرة من احد الجانبين للوقيعة بالآخر. وما ذلك إلا نكاية بآل الشاوي.
ولكن الحكومة لم تر من شمر النتائج التي كانت تأملها فرأتهم أصعب مراساً ولم يكونوا تابعين لكل أمر..
وكانت وقيعة الوالي علي باشا بمحمد وعبد العزيز آل الشاوي حدثت في أوائل حكومته، كان قد ذهب بنفسه إلى سنجار. وبعد أن رحل غضب عليهما فخنقهما سنة ١٢١٨هـ - ١٨٠٣م وحينئذ قدم فارس الجرباء وابن اخيه بنية المذكورين فمحا بيت الشاوي وناصر رؤساء (شمر) . (٢) ومن هؤلاء فرع لا يزال معروفاً ب (آل فارس) . ومنهم مجول بن محمد الفارس ...
١٤ - قُرينص
ويلفظ كرينص كما هو عادة تلفظ البدو والحضر. وقد ضبطه ابن سند بضم القاف وفتح الراء فياء ساكنة فنون مكسورة فصاد ولم يذكر له من الوقائع شيئاً مهماً.
[١٥ - بنية.]
هذا هو ابن قرينص. ويقال له الأشمل أي أنه يزاول أعماله وحوبه بيده اليسرى (شماله) ويقال لفرسه (الجنيدية) نوع من الخيل معروفة وضبطه ابن سند بضم الموحدة وفتح النون وتشديد الياء ويليها هاء التأنيث. من فرسان العرب وكرمائهم كانت له كعمّه فارس أيام الوزير علي باشا أبهة عظيمة وصدارة. أما كرمه فهو الغيث بل البحر الخضم. وأما منع الجار.. فهو منه في الذروة والناس إنما يحذون حذوه..
وأما النسب فهو من بيوتات العرب:
تنميه للشرف العالي بنو ثعل (١) ... أسد الشرى وسراة القادة الأول
النازلون من البيداء فوق ربا ... والشائدون بيوت العز بالأسل
الناحر وجزر الأضياف نحرهم ... أسد العرين بما سلوا من النصل
والمانعو الجار بالأسياف لامعة ... بين الخميسين والعسالة الذبل