وهذه من الامارات الأولى من قبائل العرب التي كانت بين النهرين (الجزيرة) وان سابور بن اردشير (٢٤١ - ٢٧٢م) قضى على حكومتها، ولم تعرف الأخبار الصحيحة عنها بالضبط ومن المؤرخين من يقول انهم لخميون، من القبائل التنوخية، ومنهم من يقول انها حكومة قائمة برأسها، وآخرون يقولون انها غسانية.. وعلى قول هشام الكلبي انها من قضاعة، وان الضيزن هو ابن معاوية بن العبيد بن الاجرام من قضاعة، وأمه من تزيد بن حلوان اسمها جيهلة، وانه كان يعرف بامه، ملك أرض الجزيرة، وكان معه من بني العبيد، ومن قضاعة قبائل لا تحصى، وان ملكها بلغ الشام.. إلا ان الطبري طعن في هذه الرواية وقال: كان حاكمها من الجرامقة يقال له الساطرون والعرب تسميه الضيزن من أهل باجرمي ... (١) والجرامقة قوم من العجم سكنوا الموصل.
وكان الضيزن آخر امرائهم، وامارته في الحضر وهو قصر ومدينة بالقرب من مدينة تكريت بين دجلة والفرات، وتصلها مياه الثرثار تمر بمدينة الحضر ثم تصب في دجلة اسفل تكريت. (٢) ولا تزال اطلالها باقية، وآثارها ناطقة بعظمتها البائدة ... وقد قيل في انقراض هذه الامارة:
الم يحزنك والانباء تنمى ... بما لاقت سراة بني العبيد
ومصرع الضيزن وبني ابيه ... واحلاس الكتائب من تزيد
اتاهم بالفيول مجللات ... وبالابطال سابور الجنود
فهدم من اواسي الحضر صخراً كأن ثقاله زبر الحديد وفي هذه الأبيات بيان لبعض قبائلهم هناك. (٣) وقال عدي بن زيد العبادي:
ايها الشامت المعيّر بالده ... ر أأنت المبرأ الموفور
أم لديك العهد الوثيق من الأ ... يام بل أنت جاهل مغرور
اين كسرى كسرى الملوك انوشر ... وان ام اين قبله سابور
وأخو الحضر إذ بناه وإذ دج ... لة تجي اليه والخابور
شاده مرمراً وجلله كل ... ساً فللطير في ذراه وكور
الى أن قال:
ثم أضحوا كأنهم ورق جف ... فالوت به الصبا والدبور
وحكاية التسلط عليهم تذكر كخرافة اساطيرية. وهذه الحكومة لم يعين تاريخها ونشأتها وطريق توصلها للحكم، ولا عرف تسلسل ملوكها ...
[٢ - امارة الازد]
وهي أول الامارات التنوخية، وحكمها على قبائل تنوخ والقبائل السابقة لها. وليت ما بين الحيرة والأنبار، وكانت امارتهم تصادف عهد حكومات الطوائف السابقة للدولة الساسانية. وأول من حكم منهم مالك بن فهم. وجاء في النويري انه مالك (١) بن زهير بن عمرو بن فهم عرف بجده كما هو الشائع في امثاله عند العرب، وهو المشهور ب (تنوخ) . (٢) وسائر المؤرخين ذكروا انه مالك بن فهم بن غنم بن دوس الازدي من كهلان. استولى على الملك سنة ٢١٠ ميلادية وكان مقره بالأنبار رماه ابنه سليمة بن مالك بسهم دون ان يعرفه فاصاب مقتله. وكان قد ملك انحاء واسعة وذكر صاحب (تحفة الأعيان بسيرة اهل عمان) (١) وقائعه مع الفرس وانتصاره عليهم وفيه بيان لما حكمه من الأقطار وتوزع أولاده في الأنحاء وهو القائل:
أعلمه الرماية كل يوم ... فلما استد (٢) ساعده رماني
ثم ملك أخوه عمرو بن فهم، ثم ملك بعده ابن أخيه جذيمة الأبرش ابن مالك بن فهم سنة ٢٣٠ ميلادية. وهذا هو صاحب النديمين مضرب المثل (كندماني جذيمة) ويقال ان جذيمة هذا من العاربة الأولى من بني وبار وكان يبالغ في سعة ملكه ونطاق امارته وهو الذي قيل فيه: اضحى جذيمة في يبرين منزله قد حاز ما جمعت في دهرها عاد وكانت اياد في نزاع معه. وهذا قتلته الزباء وقصتها المشهورة في قتله وفي الانتقام منها على يد (قصير) وتحيله في قتلها ... والتفصيل في خلاصة الكلام في تاريخ الجاهلية والإسلام (٣) وبلوغ الارب للآلوسي (٤) وفي تاريخ ابن الأثير والطبري وغالب كتب الأدب.
[٣ - امارة لخم الأولى]
ويقال لهم آل نصر. وهؤلاء اضطربت كلمة المؤرخين فيهم. والمعروف انهم من لخم وهم من القبائل التنوخية، حكموا الحيرة، واتصلوا بالاكاسرة ودام سلطانهم مدة طويلة ... فجعلوا لهم سلطاناً على العرب وأول من حكم منهم في أنحاء العراق عمرو بن عدي مؤسس هذه الامارة.