للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قسمة بعيدة العهد، ومقرونة بمثل شائع عن العشائر للتدليل على قدم الزمن يقولون (من آل وبني) أي من عهد تفرع القبائل إلى آل، وإلى بني. وبالنظر إلى الأنساب الأصلية تركن إلى هذا الموضوع، وذلك أن قبائلنا تقسم إلى (آل) و (بني) أو إلى (قبائل قحطانية) يقال لها (آل) وإلى قبائل عدنانية أو مضرية ونزارية تتسمى ب (بني) . وهاتان المجموعتان معروفتان جداً والتقسيم بهما بهذا الطراز قديم لم يدرك أوله. ولا نرى قبيلة أو عشيرة لا تنتسب إلى أحدهما ما عدا (القبائل المتحيرة) المذكورة التي لا تحفظ انتسابها إلى أحد هذين الجذمين. وذلك سواء في الجاهلية، أو في عهد الإسلام وما يليه إلى أيامنا..

وقد عدّد علماء الأنساب جماعة ليست بالقليلة من القبائل المتحيرة، وكذا صاحب عقد الفريد فإنه بيّن مقداراً جماً من القبائل المتحيرة. ولا يزال عصرنا يقطع بأن بعض القبائل (متحيرة) ولا يعرف بالتحقيق انتماؤها إلى أي جذم من ذينك الجذمين ... لنسيان العلاقة، والانتساب إلى الجد الأخير والوقوف عنده ...

[٦ - البدو وأهل الريف]

وهذا التقسيم قديم ومعروف أيضاً باعتبار ما قطنه العربان من (بادية) أو (أرياف) أو (مترددة) بينهما فتكون ثلاث مجموعات (بدوية) و (ريفية) و (مترددة) . ولو راعينا هذه القسمة في تصنيف القبائل لخرجنا عن أنساب القبائل ومزجنا بعضها ببعض دون تروّ وهكذا الحال فيما لو لاحظنا المواطن الجغرافية خاصة وفصلنا مباحثها بالنظر إلى ما تسكنه من ألوية وأنحاء ... أو المعيشة وبهذا نكون قد أهملنا خصيصة سائدة لم يتركها القوم في تنقلاتهم، وأهملنا ما هم عليه للآن من الاحتفاظ بالأنساب. واغفال هذا غير صحيح من وجوه: ١ - إن الموطن غير مستقرة. وذلك لتغييرهم الأمكنة بصورة فجائية عند حدوث أحوال ضرورية وكثيراً ما تقع.. متمثلين بقول شاعرهم:

ولا يقيم على ذل يراد به ... إلا الاذلان عير الحي والوتد

٢ - لا نقدر حينئذ أن نراعي القبائل، والحالة القبائلية بالنظر لاختلاط القبائل وتقربها من الحضارة بحيث لا يبعد أن تكون هذه المجموعة بعد لأي قرية أو قرى.. في حين أنهم لم يهملوها ...

٣ - نرى المزايا القبائلية مستقرة (لآل وبني) ومتمايزة فيها وهي السبب الوحيد في وقائع عديدة ... فلو أهملناها كنا أغفلنا أهم خصائص القوم وعدلنا إلى اشتباك أنسابها، وهذا غير واقع حتى عند اختلاط بعض القبائل فكل فريق محتفظ بنسبه.. والأمر لا اختيار فيه، وإنما الغرض تثبيت الحالة التي هم عليها لا إيجاد تقسيم غير معروف، أو أن نهمل أمراً لا يزال موجوداً، ونكون قد زدنا في هذا الاشتباك، أو شوّشنا وضعاً معروفاً..

٤ - إن كافة هذه القبائل حريصة على مراعاة أنسابها حتى الأفراد ولا يمكنها أن تنساها بعصور كثيرة. فاهمال ذلك والتغافل عما هو موجود غلط لا يغتفر ...

وهنا لا ننسى بأن القسمة الأصلية إلى قحطانية وعدنانية يصح الاستفادة منها بأن تكون واسطة تعارف وألفة لأعداء ومقارعة..

ولا ينكر أيضاً أن القبيلة قد تنال مزايا جديدة بسبب ركونها إلى الأرياف من حيث العمل والاستثمار واهمال روح الغزو وتعاطي أسباب العمارة، والوداعة والعيشة الهنيئة ... فسوف لا نترك أمر ذلك، بل نراعيه بوضوح ونفرق بين البداوة والعيشة الريفية، وما بينهما من التردد وانتهاز الفرص للركون إلى العيشة الريفية لأول حادث أو استفادة من أي تطور في الأحوال الاجتماعية. والمسهلات لذلك ودواعيه كثيرة من قحط ووباء وحروب عامة أو خاصة، وسيل جارف. الخ الخ ...

[٧ - العودة إلى الحياة العشائرية]

وقبل أن ننهي البحث لزم أن نقول أن العودة إلى عيشة العشائر نادرة خصوصاً الانتقال من المدن إلى الحياة العشائرية أو من الأرياف إلى البداوة، وهذه إذا حصلت تكون شخصية أكثر منها قبائلية. ولذا نشاهد بعض الأفراد لظروف خاصة كعلائق تجارية مع البدو، أو ارتكاب جريرة تدعو إلى ضرورة الالتجاء إلى البادية والاعتزاز بها، ثم طيب العطن وتحبب الاقامة في خلالها، أو يقسر عليها بأن يتربى أولاده عليها أو تمنعه موانع زواج وما شاكل ...

<<  <   >  >>