والعشائر اختلطت كثيرا، واشتركت لغاتها الا أننا نرى المميزات القحطانية واضحة في الانحاء التي يغلب فيها هذا الجذم. والاثر واضح حتى في العشائر التي تساكنها من العدنانية. وفي الوقت نفسه نرى العدنانية مؤثرة على ما ساكنها من عشائر حميرية، فلا نستطيع أن نميز فيها العدناني من القحطاني الا في محل كثرتها. وهذا ما لا نعرفه أجمالا.
ومن ثم تظهر اللهجات واضحة في محل كثافة كل من القحطانية أو العدنانية. ولا نرى التفاوت الا قليلا في بعض الاقسام. وبهذا نرى خصائص لكل عشيرة في نطقها، واختلاف في لهجتها نوعا مثل النطق ب (العشب) بالكسر أو الضم كما وقع في حادث تحقيق عن العدو والتفريق بينه وبين غيره بالسؤال منه فأن نطق بالضم عرف انه من (العبيد) العشيرة المعروفة والا فهو من غيرها كما هو الشأن في بعض الفروق بين عنزة وشمر.
وتتوضح لغة القحطانيين في فروقها اللغوية والادبية عن العدنانية مع ملاحظة الاشتراك في الكثير عدا ما انعدمت اللغة منهم من العشائر القحطانية. ولا شك أن اللغة تتجلى في آدابها وما شاع لديها من منظوم كالشعر للارياف والامثال لهم أيضا. فنرى الاختلاف بين العدنانية والقحطانية واضحا.
ولا شك أن هذا التأثير مسبوق بعوامله الملحوظة قبل ورود القحطانية والعدنانية في عهد المسلمين. فان من كان قبل الاسلام أكتسب أدبا ولغة. وهذا أثر قليلا أو كثيرا على أصل هذه اللغات، أو اللهجات، ثم حدثت العامية بتأثير المسلمين بعضهم على بعض في أتصالهم وتغلب لغات بعضهم على بعض، فصارت الآداب واللغة مختلطتين.
ولا تهمنا التحقيقات التأريخية القديمة وما طرأ عليها في هذه العجالة وأنما نحاول أن نبين أن الفروق موجودة بتأثير القحطانية أو العدنانية سواء كانتا متأثرتين ببعضها أو بالمواطن التي حلتاها.
وأظهر ما لأدب الأريافالمنثور من الامثال وغيرها، والشعر الريفي. وهذا منه: النايل، والعتابة، والسويحلي، والميمر، والروضة ... وأما القصيد (الكصيد) ، والهجيني، والحداء والطواح فأنها مشتركة بين البدو والارياف. الى آخر ما هنالك مما له أتصال بالنغمات أو الاوزان العروضية ... ويختلف استعمالا في قلة أو كثرة. ففي بعض العشائر النائل أكثر وأتقن، وفي بعضها العتابة، أو الكصيد وسائر ما يشترك مع البدو من أغان وشعر ... وفيها يمتاز البعض عن بعض.
وهذه مستودع حكمة العشيرة في أمثالها وشعرها، ورقة شعورها، وتهذيب عقولها، بما أستعملت من معان. ولعل الطبيعي منه أقرب وأولى في تمثيل نفسياتهم ومجتمعاتهم. وجملة ذلك (أدب البادية) أو (ثقافة العشائر) وهذا نص ما كنت قلته في حلقة الدراسات الاجتماعية للدول العربية. والدورة الرابعة ببغداد سنة ١٩٥٤م بعنوان (ثقافة البدو وأهل الارياف) وطرق أصلاحها:
[ثقافة البدو واهل الارياف]
وطرق اصلاحها سمعنا بلزوم اصلاح العشائر في أوضاعها العديدة والمختلفة، أو العزم الاكيد على ذلك، فمضت قرون، وتحولت حكومات، وعاشت أمم والبدو - كأهل الأرياف - على حالهم، ولا تزال أوضاعهم لم تتغير الا في أمر طبيعي وهو ما شاهد البدو من خلل في نفوس الارياف، فمالوا اليها أو رأى الأرياففي المدن قلة نفوس من جراء الطواعين الجارفة ... فحلوا محل من مضى فسدوا العجز أو النقص. أو تدافعوا، فأزاحوا ... وفي هذه الحالة من الانتقال أو الحالات الاخرى كالحروب حصل تبدل أدى الى (ثقافة جديدة) ، وحالات لم تعهد مما لم يكن مألوفهم ... والباقي من البدو وأهل الأريافلايزال على ماهو عليه لم يتغير.
استبعد كثيرون أمر الاصلاح، وان يكتسبوا من الثقافة ما تعد أرقى مما هم فيه من معرفة مألوفة. ولا تزال الآراء مضطربة في أمر ذلك، وهي بين الاخذ والرد. وقضية تثقيف العشائر بوجه عام كقضية اسكانهم مما شغل أمر المصلحين. ولذا تعد مزاولة هذا العمل من أشق الامور لتضارب في الفكرة. ومنشأ ذلك أن حقيقة العشائر لم تكن معروفة بوجه الصحة. منهم من يقول ان العشائر لاأمل في تهذيبهم والمحافظة على الحالة من أسباب بقائهم على الجهل والامية فلا يمكن خروجهم عن أوضاعهم أو أنهم لايقبلون الثقافة، أو جماعة لا يفيد معها التهذيب بل من (التعذيب تهذيب الذيب) . ولعل حكاية سعدي الشيرازي ولّدت هذه الفكرة.