ومن المهم الالتفات بعناية الى (قانون التسوية) والاخطار العظيمة التي نجمت منه، والمبادرة الى لزوم أصلاحه وتعمير ما خربه والعناية بالغرس وانه أجل واسطة الى الاستقرار وتكوين (القرية) الا أنه لا يخلو من اجحاف كبير وتحكم عظيم ... فتهم المبادرة الى تلافي اخطاره ... اه.
وأرى في هذا ما يعين الاتجاهات وطرق الاصلاح باجمال ليكون البدوي من أهل الارياف. ولا شك أن هذه تابعة لما يحوطهامن الامكانيات وما يعترضها من حالات، أو ما يدعو للاخذ من وجوهه.
العشائر القحطانيّة
او الزبيديّة والطائيّة (وما يمتّ اليهما) هذه العشائر من القحطانية. قال أبن حزم في جمهرة أنساب العرب: " اليمانية كلها راجعة الى ولد قحطان. ولا يصح ما بعد قحطان. " اه.
وكثرة القحطانية في شمالي بغداد، وقلّ من كان منها في الجنوب وفي الغالب لا يتجاوز لواء الحلة ولواء الديوانية. ويمتد أنتشارها الى الموصل، وما والاها. ولا نعلم العشائر خالصة للقحطانية دون أن تساكنها عدنانية. فأن بني تميم، والجميلة، والمجمع، والكرويّة، وربيعة ... عاشت مع القحطانية محافظة على كيانها ونسبها كما أن قحطانية كثيرة عاشت مع المنتفق، وربيعة ولا تزال معروفة بالقحطانية.
والقحطانية - في مواطن كثرتها - معتزة بلغتها وبآدابها العامة، وبنخوتها، وسائر أحوالها. وبهذه تختلف عن العدنانية في كثير من عاداتها. وربما تشترك معها العدنانية المتصلة بها. وقلّ أن تمتاز بخصالها الخاصة. فالبيئة أثّرت فيها، وأنستها بعض ما عندها مما هو مشهود في مواطن كثرتها. والجيوش الفاتحة في صدر الاسلام كان يغلب عليها القحطانية.
ولا ينكر أن العادات القديمة، واللغات السابقة الموروثة لمن كان قبل هؤلاء أثروا، واقتبسوا الكثير منها بعامل الاختلاط ونذكر أولاً العشائر الزبيدية، ثم نتلوها بالعشائر الطائية. وهكذا ما يتصل بكل منها من عشائر فتكونت لنا مجموعات كبيرة.
العشائر الزبيديّة
من عشائر العراق المعروفة بكثرتها ومكانها، وهي من العشائر القحطانية. منتشرة في مواطن عديدة وتاريخ ورودها الى العراق يرجع الى أوائل الفتح الاسلامي. وكان لها الاثر البليغ في الفتح على يد رجالها. توالت في ورودها ولم تنقطع. ولا تزال بعض أصولها أو عشائرها في جزيرة العرب. وأنتشرت في الاقطار الاخرى في بلاد الشام وفلسطين ونجد ومصر. وفي الغالب نرى العشيرة وفروعها الكبيرة منتشرة في نجد والعراق أو مواطن أخرى من الاقطار العربية. جاءت مع الفاتحين الاولين، وبقيت منها بقايا في مواطنها الاصلية، أو أمكنة قريبة أو بعيدة بحكم مقتضيات حياتها من أقتصادية أو اجتماعية، ومن ضيق أرض ... فركنوا الى اخوانهم في الاقطار القريبة. ورأوا من جراء الصلات القومية ترحيباً كما كانوا قوة مناصرة.
ورد العراق الامير عبد الله بن جرير البجلي بقبائله بجيلة ومذحج ومنها زبيد. وكانت الامارة العامة لابن جرير كما ان رئاسة زبيد كانت لعمرو بن معد كرب، فشوهد لهم الاثر المحمود في الفتوح الاسلامية الاولى، ووقائعهم مدونة. ولا يزال يردد المؤرخون أخبارهم، وخدماتهم للاسلام في أستقرار فتوحه في مختلف الصفحات التاريخية المجيدة.
وهذه العشائر لحقتها تطورات عديدة، وبطول الزمن تبدلت فأصابتها تحولات لا تحصى، فأكتسبت أسماء جديدة أو ذابت في المدن. ويهمنا منها (عشائر زبيد) الحاضرة اذ لم تعرف اليوم بجيلة ولا مذحج. وبين العشائر الحاضرة من كان نزوحه الى العراق متأخراً، والقديمة تفرّق غالبها وأنتشرت في مختلف الانحاء العراقية، والاقطار الاخرى. ولا يكاد يجد المرء صلة بين بعض عشائرها لكن الصلات لا تزال مشهودة من نواح عديدة، تؤديها النصوص التاريخية، ويقطع بتلك القربى، فلا ينكر أمرها، ولا يستراب فيه. ولا يكفي هذا دون أن نورد النصوص في توزع هذه العشائر، فينقشع التوهم، ويزول الابهام ... والاختلاف يرجع الى أننا عدنا لا نهتم بأمرهم، وان القواد الاكابر كانوا يسيرونهم نحو الوجهة الحقة فأهملت شؤونهم ... ومال الامراء الى ما مالوا اليه من تبعيدهم عنهم حذر أن يتدخلوا في الادارة أو السياسة.
والعشائر الزبيدية الحاضرة ذكرها المؤرخون بأعتبار أنها من نسل أولئك مراعاة لتلك الصلة. والتقسيم الى (زبيد الاكبر) ، والى (زبيد الاصغر) قديم جداً.