وكل حل، أو مراعاة أي تدبير لا يكون ناجعا أو ناجحا ما لم تتسلط قوة الدوله، وتسجل ما بيد الفلاحين بأسمائهم، فتجعل نسبة عادلة بينهم وبين الرؤساء، وما ذلك الا لأن الرؤساء لا يزال نفوذهم قويا بل لا يفل الا بأعطاء كل ذي حق حقه، وأن تكون سلطة الدولة أقوى، فتنزع نسبة معينة منهم أو ينتظر الى أن يسهل لها الحكم وأن يراعى فيما تمت تسويته طريقة تحديد حصة معينة للرؤساء من الارضين في الحاصلات بأن تجعل لهم العشر فلا تدع مجالا لأخذ أكثر من ذلك بتحوطات مهمة بالوجه الذي بينته في أول الكتاب. وبذلك تتمكن سطوة الدولة من الحكم العادل الحاسم، فتظهر قدرتها بل بعملها هذا قوّت النفوذ وخدمته. وهذا وبال عليها.
وهذه الحالة مهمة جدا بين العشيرة ورؤساؤها. لما فيها من تحكمات. وهكذا ما جرى بين العشائر الريفية مثل العزة والعبيد. لا يختلف عما ابدته من عجز في الحل بين شمر والعبيد بل أكبر. أهملت التدابير من وقوع الحادث بل أظهرت غفلة أو غفوة عما كانت تتوقع حدوثه فاغمضت العين عن أتخاذ أي تدبير فعال يحول دون وقوع الغائلة. وأصل كل ذلك النزاع على الاراضي، فلم تشأ أن تحرك ساكنا. والامثلة كثيرة يطول بنا ذكرها.
ولا يهمنا من هذه وغيرها في مواطن عديدة بقدر ما يهمنا من صور الحل الحقة. وهذه مسلمة الى معاون تسوية أو رئيس لا يستطيع مقاومة المتنفذين، أو الوقوف في وجه هؤلاء المتسلطين مراعاة لحق. وقد حكى لي بعض رجال التسوية حينما سألته هل يعطى الفلاح المستثمر حقوقه. فقال لي باستغراب كيف تقول ذلك؟ ولم أجد من يستثمر غير الرؤساء. ولما أستطلعت دخيلة رأيه قال لي ان الذي يدعي بحق لا يعود يأمن على حياته، ولا يقدر أن يعيش هناك. وأقل ما يناله أن ينفى من تلك الانحاء والا فقتله أيسر كل يسير. ولا مطالب بدمه.
ولما ظهر (مشروع القانون المدني) كنت أبديت فيه مطالعة في أن تفريق اللزمة بينها وبين الاراضي الاميرية الصرفة، أو المتفوضة، والمملوكة كل هذه مما يشوش الامر واقترحت توحيد ذلك وان يجري التقسيم على النهج الشرعي، وبينت الحالة ... ليكون التقنين موحدا بأزالة صنوف الاراضي ... وتوحيد الاوضاع المتنافرة والاحكام المتعددة في أمر واحد. لكن الإدارة لا تريد في الاغلب أن تنفك عن هذه العلاقة. وربما كان الكثير منهم ينافح عنها. وكأن التشوش أو لى وأسهل للتدخل، وعدم أنقطاع العلاقة.
ولما كان الريفي محددا بارضه لا يستطيع أن يتجاوز على غيره، وأن الغير أيضا لا يقدر أن يمد يده عليه والا قامت الفتنة وتوجه الحل، وظهر التحكيم ... وما جرى حسمه وان كان في صالح الرؤساء الا أن التسوية قطعت بعض المنازعات على الحدود والمقاتلات على الاراضي وان كان حرم الفلاح من استثماره ...
(٢) المغارسات. والنزاع عليها. ان المغارسات أو الغراس جعل الريفي الصق بمكانه من غيره من أصحاب الاراضي، فهو ذو علاقة ببستانه، وله أتصال بمغروساته. وهذه ولدت علاقة بالملاّك، وبالحكومة في هذا الغرس. وللدولة سلطة استيفاء الرسوم وكل هذا يدعو للالتفات. وهو طريق الحضارة. فأذا تكوّنت جملة بساتين تكونت القرية، وتقرب القرى يؤدي الى تكون البلدة. وهكذا.
والمغارسات لها أحكامها من أيام شريعة حمورابي وقبلها من حين ظهر الغرس وتربية المغروسات. واستمر حتى عهد المسلمين فتولدت أحكام الغرس ومهما تضاربت آراء الفقهاء في هذه الاحكام فأن التعامل جرى، وولد حقوقا لا يتنازل عنها الغارس بوجه.
وفي (كتاب النخل) تكلمت في الحقوق المتولدة بين الغارس ورب الارض، وعلاقتهما بالحكومة، وما تعين من تعامل بين هؤلاء جميعا ... وسأعود الى ذكر المغارسات في المجلد الرابع من هذا الكتاب.
هذا. وللعرف والخصومات تفصيلات منها ما مر بيانه في المجلد الاول ومنها في هذا الكتاب ولا مجال للتوسع بأكثر من هذا. والموضوع شائك يحتاج الى مباحث مفصلة والى أحتكاك آراء عديدة.
٣ -
أموال الارياف