وفي الوقت نفسه يحضون على اخذ النساء والاكثار منهن ليكون للمرء اولاد يكيد بهم اعداءه، ويقهر منافسيه ... فيقولون: خوذ من النسا وجيد العدا (خذ من النساء وكد الاعداء) ... ولا يحصى القول في هذا الموضوع. واني ذاكر بعض الحكايات في النسب، واختيار الزوجة، ولا يختلف فيها البدو والمثال لا يقتصر على من قيل فيهم ... وانما الامر مشترك في الكل، ومعتبر بين الجميع ... ولا يستثنى الا الصلبة فانهم يعدون غير اكفاء لسائر العرب في الاختيار ...
[٣ - بنت رغيلان - ام شهلبة]
يحكون ان احد رجال شمر المعروفين، فهيد ابن الغواري من العمود دعا ابنه ان يتزوج ابنة صالح ابن رغيلان من قبيلة اليحيا من شمر وهم اخوال صفوك وفارس آل محمد. ولما كانت هذه الأسرة معتبرة عند البدو حض ابنه أن يتزوج ببنت صالح، وهو يعلم ان والد البنت لا يمنعها لما لعشيرته وأبيه من المنزلة النبيلة والمكانة المعتبرة عندهم ...
ذهب الولد فرحب به والد البنت، وبعد المفاوضة طلب مهراً (سياقا) عشرة من النوق الغتر (لبيض) فلم يبد الابن موافقة واستكثر الطلب، وان يدفع لبنت هذا القدر من المال، وعنده أن كل ناقة تساوي امرأة، أو عشرة من النساء.! رجع الولد دون ان يظهر غرضه.. وسأله ابوه فكان جوابه ان اباها لم يوافق على اعطائها له، فاستنكر والده ذلك، وغضب على ابنه وقال له: طلب منك ما استكثرته، ولامه على فعلته، ثم حثه على العودة مرة اخرى، وفي السنة التالية بين انه يقدم العشرة المطلوبة، فاجابه ابو البنت انها ليست بضاعة يساوم عليها فأن شئت ان تعطي عشرين ناقة من الغتر تقدم، فلا اوافق على امل..! وفي هذه المرة استعظم المقدار، وعزم ان لا يتزوجها وعاد بصفقة المغبون فلقي من والده لائمة اكبر، وأمره ان يأخذها بما كلفه الامر، وان يقدم له ما يطلب منه وان لا يتردد في القبول، أو يتأخر في أنهاء القضية ذاكراً أنه إذا حصل منها ولد فأنه النعمة التي لا يعد لها ثمن، ولا يقدر بابل وشاء وان اباها لا يردك أن رأى منك رغبة صادقة مراعاة لجاه ابيك..! وفي هذه المرة نزل ضيفاً عند الاب، وكان قد خرج الى البر لقضاء حاجته، فوجد بنتاً جميلة جداً خرجت من البيت ذاهبة للاحتطاب فاعجبته فسألها عن البنت المطلوبة فمدحتها واثنت على جميل خصالها، وقالت: انا لست بشيء بالنظر اليها، ولامته بل عنفته على تأخره عن الاخذ، وان والدها ليس له امل في اخذ المال ... ! طلب الاب منه هذه المرة ثلاثين ناقة، وابدى أنه لا يعدل عن واحدة فلم يتردد الولد وأعطى المطلوب. اما الاب فانه اثر ذلك وبعد تمام العقد اعاد الابل جميعها واعطى ناقة للبنت من ماله واخرى لخادمتها، وسيّرها بالوجه اللائق والاتم.. وبيّن انه اراد ان يبرهن للولد بان البنت عزيزة عنده ولم تكن ذليلة، ولا غرضه ان يساوم، أو يربح ربحاً منها.! وبعد ثلاث سنوات ولدت له ابناً ثم آخر ... ! مضت مدة على زواجه، وفي يوم من الايام صادف ليلاً ناراً موقدة في بيت من بيوت البدو فوجد عندها بنتاً تصطلي على النار (تتشلهب) ، فاعجبه بياض ساقيها، ونعومة بشرتها وفي تلك الليلة طلبها من ابيها فتزوجها، وعلقت منه وصار له منها ولد.
كبر الاولاد، وكانوا قد بلغوا مبلغ الرجال، ويؤمل منهم ما يؤمل من امثالهم للحروب والغزو، أو حفظ المال والاهل والنضال عنهما عند الملمات ... !! وكانت قد حصلت منافرة في هذه الايام بينهم وبين قبيلة عنزة المشهورة، فمال عليهم بعض غزاتها فنهبوا ابلهم، وكان من رأي ابن (أم شلهبة) ان لا قدرة لهم على الحرب، والاولى ان يعودوا ويفروا بانفسهم فاعترضه ابنا (بنت رغيلان) بانهما كيف وباي وجه يرجعان الى جدهما وقد اخذت ابلهم ونهبت من بين ايديهم فاجاب ابن ام شلهبة نعوض له ابلا اخرى تعود لنا ... فلم يوافقوا على هذا، ولم يرجعوا وانما تحاربوا مع العدو وانتزعوا الابل المنهوبة ومعها بعض (الكلايع)(١) ورجعوا غانمين، ظافرين ... وكان قد سبقهم ابن ام شلهبة فاخبر جده بما خاطر به الاولاد الآخرون، وما جازفوا، فبقي صامتاً ساكتاً، لا ينبس ببنت شفة وآثار التألم بادية عليه، ولا طريق له في هذا الليل ان يعمل عملا ما وصار لا يهجع وكان يعبث بالنار، في عصا بيده ويزيد في الوقود.. وهو مضطرب..