ولا تختلف (البيزرة) عما كانت عليه قديما الا في أنها تستخدم البساطة مرة، والعناية الزائدة أخرى من طبية في طيور الصيد قديما وفى الحيوانات المعروضة في حدائق الحيوانات فان العناية بها كبيرة جدا. والاهتمام زائد من هذه الجهة فى صحتها ومراعاة الحالة وما يمكن ان نعيش فيه ... من ايجاد وسط ملائم. الا اننا لا نعلق أهمية على الفروق في طيور الصيد قديما وحديثا، فالتفاوت طفيف. وفي كلامنا هذا ومقابلته بما كان عليه القدماء يظهر الفرق وانه ليس بالمهم لان الاختلاف فيه لا يزيد عما يقع عند القدماء من التفاوت بين قطر وآخر أو قوم وقوم. ولا نجد قطراً خالياً من تعاطي القنص بطريقة ما قد تتفاوت عما في الاقطار الاخرى.
هذا. ولما كنت عازماً على اعادة طبع المجلد الاول طبعة جديدة فيها زيادات كثيرة فسأنشر تفصيلات في (القنص والصيد) . فلا مجال لتكرار ذلك مباحثة في هذا المجلد.
١٠ - الثقافة والآداب الريفي كالبدوي يستلهم المعرفة من البيئة والمحيط، ومن العلاقات بالعشائر المجاورة، ومن الاتصال بالمجتمع، فلم يكن مجرداً عن الوسط الذى هو فيه، ليكون بعيداً عن الثقافة الا أن هذه غير منسقة، ولا مؤلفة تأليفاَ يتمكن من استعادته، أو الرجوع اليه دائما بمراعاة مختاراته وعيونه. وانما كان هذا تابعا لمواهب رجاله والاخذ عنهم. وهذه لم يتيسر تدوينها فى حينه ولا فى دوام الاتصال بها الا من طريق المعاشرة وما يورد فى المجالس، أو يتغنى به هؤلاء.
ومن السهل الرجوع الى أرباب المعرفة من كل ناحية، والتدوين عنهم لهذه الغاية. وهذه (ثقافة أهل الارياف) . ويصعب تحديدها. وهى ثقافة مهمة لو رأت عناية، ووسيلة نافعة للاستفادة. وربما كان شعرها أكثر بكثير مما هو منقول عن الجاهلية. ولا يقل هذا النوع من الادب خطرا وفائدة ونفعاَ عن أدب البدو لملامسته لحياة هؤلاء من أهل الارياف. تكلمت فى ذلك مفصلا فى المجلد الثالث.
والشعر الريفي، والهوسات، وما هو معروف من موّال أو زهيري ... كل هذا لا يمنع أن يتعاطى القوم الشعر البدوي فى الارياف. وما ذلك الا للاتصال بالبادية. وبعض عشائرهم لا يزالون على البداوة. والميل اليها كبير باعتبارها أول أرض لاجدادنا. نرى الادب مختلطاَ، ولم تنقطع الصلة الا قليلا وفى بعض العشائر وللمواطن أثرها فى تكوين أدب خاص أو التزام أدب بعينه. وهذا كله لم يترك معه شعر البدو فى غالب العشائر. وأمثلة هذا كثير. وهى عين شعر البدو. وربما نظموا فيه الا ان ذلك لم يكن من طبعهم وانما هو تطبع. وربما اقتصروا على المحفوظ وحده.
وأنواع أدب الارياف فى العشائر العدنانية: ١ - الحسجة.
٢ - اللامي.
٣ - بوذية.
٤ - الامثال.
٥ - الهوسات.
وهذا ليس كل ما عندهم. وانما يشتركون مع العشائر الزبيدية والطائية والبدوية فى: ١ - العتابة.
٢ - النائل.
٣ - القصيد.
٤ - الطوّاح.
٥ - الهجيني.
٦ - الحداء.
٧ - الزهيري.
٨ - الموّال.
وهذا الادب يدخل فيه الغزل والتشبيب أو النسيب والامثال والحكم، والمدح، والهجاء، وبعض أحوال تتعلق بالصيد، أو بالفخر، والتذكير بوقائع سابقة لاثارة العداء، أو بيان البطولة. وما الى ذلك من بيان كرم، أو التنويه بشجاعة أو سرد مآثر ... وسائر ما يتعلق بالمجتمع. فهو مرآة حياتهم فى ضروبها المنوعة.
[صفوة القول]
العشائر وبيان تفريعاتها، والاتصال بأنسابها وبأراضيها، ومعرفة اختلاطها بالوجه المذكور تغلب فيه (الحياة الريفية) ، ويتكامل فيه الميل الى الحضارة، والنزوع الى حياة المدن. ومن أهم عناصرها اتخاذ الغرس واعتباره المهمة المعاشية ...
ومن جهة أخرى رأينا ان روح الغزو انعدمت. وهكذا شاهدنا الحياة الادبية أو الثقافية وانها متصلة بهم اتصالا وثيقا، ومثله تربية الماشية ... وهذه مباحثها لا تحصى ...
ومهمتنا التنبه الى الموضوع، وما يعترضه من صعوبات، وما فيه من أهمية. والامل أن تجري تتبعات تفصيلية توضح الاهداف أكثر، وتوسع المراد. وبذلك لا يبقى خفاء. والبشائر تبصر بما وراءها ...
وجلّ أملنا أن لا يبقى أمر مجهول، وان لا نرى مبهماَ. وقد سهّلت وسائط النقل، وكثرة التردد لأكابر رجال العشائر المعرفة. كما اننا تيسر لنا الاتصال والوصول بلا عناء كبير، ولا كلفة زائدة.