ومترجمنا هذا يعد في طليعة شجعان العرب وأكابر قوادهم ولو وجد له تربة صالحة وبيئة مناسبة لظهر أعظم.
وقعته مع العجم: وقد قال صاحب المطالع في حوادث سنة ١٢٣٨هـ - ١٨٢٣م عن وقعة العجم التي حدثت سنة ١٢٣٧هـ - ١٨٢٢م: " أخبرني ثقات عدة أن صفوقاً غزا ابن الشاه وعبر ديالى بفوارس من عشيرته الى ان كان من عسكر ابن الشاه بمرأى فركب فرسان العسكر لما رأوه وكرّوا عليه فاستطردهم حتى عبروا ديالى وبعدوا عنها فعطف هو ومن معه من عشيرته ومن الروم عليهم فادبرت فرسان العجم وقفاهم فوارس شمر وقتلوا منهم من ادركوا وأتوا بخيلهم وسلبهم ... وأخبرني غير واحد أن هذه غير الأولى التي ذكرها المؤرخ التركي. " اه. (١) والمحفوظ في هذه الوقعة انها كانت بالاشتراك مع قبيلة العزة وأنهم أبلوا فيها البلاء العظيم فتكاتفوا على عدوهم وعولوا على أنفسهم ولا ناصر لهم من جيش الروم (الترك العثمانيين) واذا كان معهم من عقيل بعض افراد فلا تعطف لهم أهمية ...
وشمر هؤلاء في حروبهم يهارشون المقابل ويطمعونه في النصرة دون غلبة قطعية حتى يأتوا إلى مجال الطراد وموطن العطفة - كما عبر ابن سند - فيعودوا الكرة على عدوّهم. ولذا يسمون أهل (العادة) وهكذا فعل صفوق في ترتيب خطته ونجاحها وهم أكثر تعوداً لها وأساساً من صغره يزاولها.
وتفصيل الوقعة في تاريخ العراق بين احتلالين.
وقد مدح ابن سند وقعته هذه مع العجم ومؤازرته للوزير وبيّن أنه كان قائد الجيش ومعه العشائر حتى قال: " ولما نصر صفوق هذا الوزير ... أقطعه عانة وما يتبعها من القرى فنال منزلته عند الوزير فعادى أعداءه ووالى أوليائه ...
وأما كرم صفوق فمما سارت به الأمثال وأقرت به الأمثال ... " اه (٢) ولصفوق هذا مع قبائل عنزة وقائع أشهرها:
١ - يوم بصّالة. وهو يوم انتصر فيه شمر على عنزة سنة
١٢٣٨هـ - ١٨٢٣م ...
[٢ - في السنة التالية انتصرت عنزة عليهم وهي عام ١٢٣٩هـ - ١٨٢٤م.]
وفي هذه الوقعة الأخيرة انكسرت شمر فشد الوزير عضد كبيرهم صفوق ... كذا قال ابن سند. ولا محل للتفصيل هنا.
وعلى كل حال ان كسرة شمر هذه المرة لم تكن القاضية وإنما هي على عادة العرب في قولهم (الحرب سجال) . ولذا لم تتركهم الحكومة وإنما أخذت بيدهم فاستعادوا مكانتهم الأولى فقاموا بمهماتهم الحربية مع العشائر المناوأة.
وكان للحكومة من العشائر ما هم بمنزلة جيش متأهب للطوارئ وحاضر للكفاح والاستنفار ...
وحوادث صفوق الأخرى من هذا النوع. ومنها ما يتعلق بالقبائل الشمرية ولكن حادثة سنة ١٢٤٩هـ - ١٨٣٣م تدل على انه بقى على ولاء داود باشا الوزير وكره حكومة علي رضا باشا اللاز فلم يذعن له.
وذلك ان والي الموصل يحيى باشا كان أيضاً على رأي الشيخ صفوق الفارس وكانت بينهما مراسلات. حث صفوقاً على القيام فناوأ الحكومة وتمكن من قطع الطريق بين بغداد والموصل وصار يتجول بين النهرين فجمع قوة كبرى وجاء إلى قرب الامام موسى الكاظم فحارب علي رضا باشا الوالي وجيش الحكومة وأمله كبير في أن ينكل بالقوة التي أمامه ويستولي على بغداد فكان لهذا الحادث وقع عظيم في نفس الحكومة ... وفي نتيجة هذه الحرب اضطر الشيخ صفوق على الانسحاب وترك الأثقال ... (١) ولما أطلعت الحكومة على نوايا والي الموصل عزلته وعينت مكانه سعيد باشا الوالي السابق وكان في بغداد. (٢) إن الحكومة بعد وقعة صفوق هذه مع علي رضا باشا اللاز قد احتالت فقبضت عليه وأبعدته الى الأستانة ومعه ابنه فرحان باشا وكان صغيراً تعلم التركية خلال بقاء والده هناك. وكانت المدة التي قضاها ثلاث سنوات.