ومن غريب ما يحكى عنه أنه جاء إلى السلطان بتوسط الشريف عبد المطلب فدخل عليه وعندئذ صار ينظر يميناً وشمالاً. وهذا ما دعا ان يغضب عليه السلطان مرة أخرى ويطرده من عنده ولم يدر السبب في حين انه كان يأمل أن يكرمه. ذلك لما رآه السلطان منه من سوء الأدب ... هكذا كان يظن السلطان فيه ولم يدر انه بدوي، وأمثاله لا يعرفون مراسم التشريفات.. والحكومة أساساً لا تعرف تقاليد العرب وعاداتها فلا يستغرب من السلطان ان يعتقد فيه ما اعتقد وهو بعيد عن البداوة، ولم يتعود التجول، ولا السياحات الوطنية على الأقل ... ولا بيده من كتب العشائر ما يبصره باوضاعهم ... وقد رأينا من المغفور له الملك فيصل صبراً عظيماً من جفاء العشائر وخشونتها وهو يسمع جميع هوساتها ... ويتلقاها بكل سعة صدر وارتياح، لانه عارف بهم وبضروب طباعهم واحوالهم.
ثم انه توسط له الشريف مرة ثانية في الدخول فوافق السلطان. ولكنه حينما جاء الى الصدر الاعظم صار يوصيه بمراعاة المراسم اللائقة وان لا يرفع بصره ولا يلتفت الى جهاته ... فقال لا ادخل، ولا فائدة لي من ذلك الدخول وحينئذ ارجح البقاء لأني سوف أذهب الى قبائلي واحدثهم اني رأيت السلطان وشاهدت بلاطه وما فيه من كذا وكذا ... ولو قلت لهم اني خرجت كما دخلت فلم أنظر شيئاً فحينئذ لا يصدقونني بل يكذبونني وقالوا لا نصدق انك دخلت..
فاوصل خبر ذلك الى السلطان فاستانس بما قصه. وسمح له ان يدخل واذن السلطان له بمشاهدته وان يتفرج على الأماكن الأخرى والنظارات (الوزارات) وكل المباني البديعة، والقصور الفخمة والآثار.. (١) عفا عنه السلطان، واختبر هو الوضع من جهة، ومن أخرى ان قبيلته معتادة الغزو والنهب ولا يمكن تعيين أي السببين قد دعا لقيامه على الحكومة مرة أخرى زمن الوالي نجيب باشا. (٢) ويقال في هذه المرة لم تعلن الحكومة مطاردته وانما اتخذت طريق المسالمة والحيلة للقبض عليه وأرسلت اليه رؤساء القبائل المشهورين لتقريبه من الصلح والانقياد والطاعة، فجاءوا به كمطيع، مسالم لها ومنقاد. فلما وصل الى هور عقرقوف وقارب بغداد سلّ محمد بك سيفه عليه وضربه فقتله غدراً وعلى غفلة منه ...
وجاء في تاريخ لطفي: محمود بك والصحيح محمد بك ابن محمد بك. مات ابوه وهو في بطن أمه فسمي باسمه، وانه من آل سيد بطال المشهور عند الترك وبيد ابنه حسين فرمان ينطق بذلك فقد كان اولاً باشبوغ في ايام الهايتة، وانه عين الى العونية برتبة ميرالاي عند تأليف العساكر النظامية، وان ختمه كان (بنده صمد السيد محمد) . توفي حوالي سنة ١٣٠٦هـ - ١٨٨٩م ودفن في الشيخ معروف وأولاده احمد توفي صغيراً، وعلي توفي بلا عقب، وحسين ولد سنة ١٢٩٨هـ - ١٨٨١م تقريباً ولا يزال حياً ومنه علمت بعض الايضاح عن والده بالوجه المذكور ...
وكان محمد بك شاباً حين الوقيعة ومن ثم سمي ب (كنج أغا) لاكتسابه هذا المنصب شاباً.
وكان الشيخ صفوق قد قضى أكثر ايامه بالحروب فهو متمرن عليها، ولا يستريح بدونها. وقصصه أشبه بقصص الابطال القدماء وحروبهم، ومجالس شمر لا تخلو في وقت من ذكريات بسالته، والتغني بمآثره ومناقب شجاعته..
واليوم بيت الرياسة العامة على شمر في (آل صفوق) .
قيل كان قتل صفوق على يد الأتراك بالوجه المذكور سنة ١٨٤٠ - ١٨٤١م كما جاء في كتاب عشائر سورية وفيه نظر. لأن وقائعه مع علي رضا باشا بعد هذا التاريخ ... كما رأيت ... ومن أولاده: فرحان، وعبد الكريم، وعبد الرزاق وفارس (والد مشعل باشا) .
وممن رثاه ردهان بن عنكة قال:
ونيت وانا من غفيله ... ونة عجوز وكفت بالمتاريس
لكت ولدها غادي مع حليله ... وعكب الطرب بدلت بالهداريس
واويل كيل صفوك واطول ويله ... ويل يموّس بسرة الكلب تمويس
من غبت عنا يا ابن اخي سبيله ... غاب السعد عن نزلنا والنواميس
ونجفل جفيل الصيد ونرتع رتيعه ... وصرنا مثل فرج المواعز بلا تيس