وبهذه الوسيلة صارت تقل التدخلات الادارية فى القضايا العشائرية. ومصلحة الدولة فى توحيد محاكمها. وعندنا لا تزال الحالة تحتاج الى اصلاح اداري فى هذه التدخلات والتقليل منها، تشكلت المحاكم ولا تزال تنظر فى القضايا الادارية. وما معنى هذه الا حب السيطرة، أو التوسع فى التسلط وهل الاداري من اختصاصه النظر فى النزاع العشائري بعد منع الغزو وبعد أن بقيت الخصومات فردية أو قليلة ... والوقائع الكبيرة اليوم فى قلة. وتكاد تكون منعدمة.
والخوف من وقائع العشائر توهَم لا محل له. وما كانت المحاكم عاجزة عنه فمن الاولى أن تعجز عنه الادارة، وحينئذ ينظر فى الخلل لتأمينه، وازالة العثرات منه مما يقع فى طريقه. والتلازم بين الغاء الغزو، وتشكيل المحاكم والضرورة اليه من الامور المشهودة والا وقعت العشائر تحت طائلة التحكيم بل التحكم من أناس ليس لهم من المعرفة ما يصلح أن يتسلحوا بها سياسيا وحقوقيا. وانما هناك التحكم لتنفيذ رغبة الادارة وتحقيق آمالها فيما تهدف اليه، أو الميل الى عشيرة دون أخرى ... لامر آخر لا علاقة له بالموضوع.
وعلى كل حال آمال الغزو ليست من طبيعة أهل الارياف. ولذا تلقوا منع الغزو بكل ارتياح، وان قوة الدولة نصرة للضعيف حتى يقوى وتأمين للراحة وتحقيق لوسائل الحضارة. والعرف العشائري يجب أن يحصر أمره أو يحدد بأن يكون بين عشيرة وأخرى، أو بين عشائر دولة وعشائر دولة أخرى مما له مساس بسياسة الدولة والا فما معنى انقياد الريفي للعرف؟ وهو فى هذه الحالة يعد حضريا ... !! لعل له عذرا وأنت تلوم - نعم كانت تركن لعذر استفادة من نزاع للقضاء على قوة قبيلة. والآن لا خوف من عشيرة لتناصر الاخرى ...
٩ - القنص والصيد تكلمت فى (القنص والصيد) عند البدو (١) . وأما فى الارياف فالحاجة اليه أقل الا أنه أتقن، وان كانت مواطنه أضيق، ويتغير عند أهل الارياف فى نوعه مثل صيد السمك، والطيور المائية أو الطيور الملازمة للقرى والبساتين. وقل ان يصطادوا الحيوانات الوحشية الا ان يتخلصوا من أضرارها. وكان الصيد فى العراق متنوعا. ولصيد الاسود والحيوانات المفترسة (مواسم) كان يجري فيها الصيد قديما ... وللولاة والامراء ولع فى القنص للتلذذ والقصص التاريخية والحوادث كثيرة. وفى صيد الوحوش الضارية تعود على الفروسية وتمرين على مقارعة الاعداء. ولم يبق له اليوم ذلك الاثر أو قلَ عن ذي قبل وان كان لم ينعدم. لما شغلوا به من أعمال تتطلب جهودا أكثر من ذي قبل. فان ادارة المملكة تعقدت وزادت الواجبات وتنوعت المهمات بالرغم من توزع الاعمال. نرى لجيشنا وقتاً معيناً ل (صيد ابن آوى) . والصيد اليوم مقيد بقوانين في جميع أنواعه. ومما نال المكانة بين الامراء السابقين، وبين الاهلين، والعشائر ... (القنص بالطيور) . وهذا من ألذ أنواع الصيد، وكان القدماء أكثر ولعاً به، وتربية (الطيور الجوارح) يقال لها (البيزرة) ، و (البيزدرة) . وفيها تعويد على الصيد وتأليف لها، ومراعاة صحتها. والعناية بها تحتاج الى كلفة كبيرة. وكتبوا فيها مؤلفات عديدة ومنوعة تطميناً لرغبة أرباب الذوق فيها (١) . ولهم العناية بها. ولا تزال الحالة مرعية الى اليوم، ولكن الاهتمام قلّ بسبب تغير الصيد وتنوعه كالرمي بالبنادق، وسهولة الحصول على الصيد من أسهل طريق، وأقرب من يد التناول بلا كلفة ولا عناء، وقد يراد به التمرن على الهدف واصابته ... ولم يبطل الصيد بالجوارح الا ان العناية به ضعفت. وأما صيد الاسماك فأنه ليس فيه تلك اللذة الا أنه يسد حاجة ماسة أو تأميناً لمنفعة. ولا يخلو من لذة في بعض أنواعه المألوفة لا سيما اذا كان قد انتصب المرء لهذا الغرض. وصيد الحيوانات المفترسة أقل من القليل ... وقد اختفت أو كادت تنقرض. فالاساد لا وجود لها في أنحائنا الا قليلا ... والذئاب تأتينا من ايران وقليلة عندنا.