الآراء متضاربة سواء في الأندية والمجالس، أو المباحثات والمحاورات، نسمع أن العشائر ما زالوا على وضعهم، فلا أمل في تهذيبهم، والمحافظة على الحالة من أسباب بقائهم على الجهل والأمية، وكأن القوم في استقرار على وضع لا يستطيعون الخروج منه، أو أنهم قوم لا يقبلون التعليم وجماعة لا يفيد معها التهذيب، و (من التعذيب تعليم الذيب) ، فلا أمل من مزاولة تهذيبهم ... وآخرون يرون لزوم الانتقال بهم من حالة البداوة الى الحياة الريفية، وهؤلاء يريدون مطالب يرجون تحقيقها ... ثم مراعاة تثقيفهم ... ولعل هذا من نوع التعليق بالمحال، لأن الانتقال تابع لأحوال، وأوضاع طبيعية أو مشاريع قطعية ... ولم يكونوا في حالة يمكن إفراغها بالشكل الذي نبتغيه متى شئنا ... وإبقاء القوم في جهل يؤدي إلى قبول نتائجه الوخيمة والكثيرة طول هذه المدة ... وأرى أن هذا الرأي مدخول، لا يوزن بميزان صحيح ... ويكوّن عجزاً عن إيجاد طريقة لتعليم العشائر وهكذا يرى آخرون لزوم تعليق هذا الأمر الى ان يوجد مدرسون حائزون لأوصاف تلائم البادية، ورجال دينون مهذبون وان تتوازن القدرة بين المدرس والرجل الديني والا فأولى أن لا نعمل لإنجاز المشروع وحينئذ من السهل ان يحبط ويفرط التدبير ... وهل استعصى وجود مدرس حائز لهذه الأوصاف ... ! وهناك آراء كثيرة أمثال هذه ...
وإذا قبلنا أساس تعليمهم ولم نلتفت الى الأقوال المارة أو أمثالها أو نجهد لتحقيق بعضها.... فماذا نلاحظ؟ هل يصل أهل البادية إلى درجة مهمة من التعليم نظراً للاهتمام الذي نراه بحيث يضارعون أهل المدن في علومهم، ويجارونهم في ثقافته فنجعل منهاجهم كسائر مناهج المعارف؟ وهل لهم قدرة وصبر على اجتياز العقبات في هذا السبيل حتى يتساوى الحضري والبدوي في التعليم.!؟ قبل كل شيء يجب أن نفكر في ادخال التعليم البسيط بين ربوعهم ونجرب بعض التجارب التي استقر عليها رأينا ... ثم نلاحظ تقويتها، وتوسيعها تدريجياً..! والتمنيات لا حدّ لها، ولكن على كل حال يتحتم علينا أن نزاول الموضوع من وجهته العملية الممكنة.
وهنا يعترضنا عند الكلام على طريقة التعليم الوقوف على اثر التعليم في البدو الدرجة التي يستحقون ان تبلغ بهم ليكونوا أعضاء فعالة لخير الأمة، وينالوا النصيب التام منها كغيرهم من اهل المدن؟ - لا أتطلب أن تنقلب البادية الى مدار س راقية بحيث لا تفترق في تشكيلاتها عن المدن، ولا يخطر ذلك ببالي في وقت بل ينبغي ان لا نزاول هذه الأمور، وإنما نسعى أن نمكنهم من أن يكونوا متعلمين لدرجة وافية بحاجتهم على الأقل، ومؤدية ما يتطلبونه من اغراض أو بالتعبير الأولى أن يكونوا عارفين بما عندهم وزيادة قليلة ...
هؤلاء لم يشبعوا الخبز، فكيف نريد ان نوجد فيهم (تخمة) من العلوم وليس لهم مأوى ونحاول أن نعلمهم الكماليات وأصول ادارة المسكن وخدمه، والزوجة وحقوقها ... أو آداب المعاشرة، وهكذا نسير معهم بطرق معوجة، وغير مثمرة ... والأنكى من هذا أن ننزع الى لزوم تعليمهم بهارج الحضارة وزينة الملاهي، أو نزين لهم هذه الأمور ... ! وبهذا نكون قد قمنا بخدمة تدريبهم الى الخلاعة ...
وعلى كل حال يجب أن نراعي فيهم منهجاً خاصاً في الحياة البدوية، وطريقة مرضية في لوازمها من معرفة بسيطة وثقافة بقدر ما تقتضيه حاجتهم ... ليحافظوا على أوضاعهم ويقوموا بواجباتهم ... فيعلموا طريق الحياة، ووسائل الانتهاج، وأن يلقنوا عقائدهم، وأن يقتصر فيها على الفروض والواجبات، وأن يعلموا علاقتهم بالحكومة من ناحية الأمن والضرائب مما يتعلق بهم، ونعين أوضاعهم ... فلا نخرج عما يأتلف وهذه الأوضاع، وان يؤدي عملنا هذا الى ما يزيد في ثقافتهم العامة ويبين لهم فكرة عن الحضارة، ويكمل ما علموه من البداوة لحاجات رأوها ... !