والملحوظ ان البدوي لا يتحمل ارهاق الملاكين أو أرباب اللزمة. ومن الضروري اتخاذ التدابير لاجل أن لا يتحكم به هؤلاء ممن استأثروا بالارضين وصاروا يقاسمون الفلاحين في الاراضي السيحية على اكثر من النصف وذلك ما لا يدع مجالاً للفلاحين أن يعيشوا. وان تكاثر النفوس يزيد في التحكم أو يدعو الى ايجاد مشاريع جديدة.
والاولى أن يلاحظ تعديل الخطة، لان هؤلاء استأثروا بالارضين لانفسهم. ويلاحظ وجوب اصلاح ذلك. وكذا في التوزيع الجديد يجب ان نراعي فيه الامور التالية: ١ - تحديد ملكية أصحاب اللزمة الكبيرة.
٢ - عند تعذر ذلك أن يحدد ما يأخذه صاحب اللزمة من غلة بأن يكون لهم العشر لا أكثر في الاراضي السيحية، أو لا يتجاوز ما يأخذه الميرى من ضريبة.
٣ - أن تقلل الحكومة من ضرائبها فلا تتجاوز بها العشر.
٤ - أن لا يخرج الفلاح من أرضه ولو لم تكن له (لزمة) ، لمنع الاستئثار والتحكم. وأكثر ما يهرب الزرّاع التحكم من صاحب الارض. وأخراج هؤلاء لا يقبل الا بتحوطات ادارية شديدة.
٥ - أن يكون الترتيب عاماً شاملاً في المشاريع الجديدة والقديمة. وبذلك يزول التحكم ويقلل من هذا الاستئثار ويرفع الحيف. ليتنعم الفلاح بنتائج عمله.
ومن هذا كله يتجلى بوضوح أن نظم البدو سائرة الى الزوال. والضرورة تدعو الى التعجيل بازالتها وتسهيل أمر الميل الى الارياف في اصلاح شؤونها. وعندنا العشائر البدوية قليلة جداً وهي شمر وعنزة والضفير وقلّ غيرها. وبعض المشاريع الزراعية أو حفر الآبار الفنية (الارتوازية) يجعلهم أهل ارياف بميلهم الى الزراعة. والاصلاح يراعى فيهم رأساً على أن تتخذ التدابير اللازمة مما أوضحت في الارياف من المعايب. وأن يخفف في الوسائل الاقتصادية ويرفه بما ذكرت من الاسباب فتحول الاوضاع الاجتماعية. والملازمة مشهودة.
وأرى نجاح التحولات الحديثة والمستقبلة في أن تمضي بسرعة لتحقيق الاصلاح. والاولى أن تلغى هذه النظم الجائرة للبدو وأهل الارياف الذين قبلوا التعديل في أنظمة البدو، فالعرف العشائري في الخصومات ومراعاة قانون العشائر مما تجب ازالته، أو أن يبقى محصوراً تحت دائرة ضيقة وهي (المنازعات الكبرى) بالرجوع الى التحكيم ...
وأقل ما في قانون العشائر انه لم يجعل للدماء حرمة، ولا للاموال صيانة سواء في تحديد المسؤوليات أو تعميمها. ووحدة الامة في وحدة قوانينها أو أن القوانين ظاهرة المجتمع في حالة وحدته أو تفرقه. والبدو عندنا قليلون. والمسؤولية العامة لجأ اليها البدو من جراء عدم السلطة وفقدانها كتدابير لمنع الاعتداء. ولما كان أهل الارياف في عداد أهل القرى فلا يختلفون عن أهل المدن في تطبيق القوانين المدنية.
وانني اوسعت القول في عرف القبائل وقانون العشائر في مكتاب عشائر العراق (١) . وليس من الصواب ايداع مثل هذه الامور لغير أهلها. وأهلها الحكام المدنيون. والبدو في ميلهم للزراعة لا يختلفون عن اهل الارياف. واصلاح الحالة الاقتصادية مؤثر في حاضرهم ومستقبلهم. ولا تكفي المدارس، ولا اعداد ما يلزم للمعرفة بل الحاجة ملحة في تقديم رقوق سينمائية، وراديوات فتوضع في أماكن عامة وسيارة، مع خزائن كتب سيارة ... وطرق الاصلاح الاخرى معلومة.
والعمل الاجتماعي العظيم الفائدة يجب أن يكون مصروفاً الى حلّ (المشاكل الزراعية) في الارياف، أو الاكثار من التدوينات في المشهودات على أن نتثبت من صحتها، وندقق آمالهم وآلامهم من طريق الاختلاط بهم سواء في مهمة انتقال البدو الى الارياف، أو الوقوف على حالات الارياف.
ومن أهم ما يوصلنا الى معرفة الاحوال الاجتماعية زيادة الاتصال (بالآداب البدوية) من جهة، ومراعاة التوغل في (الآداب الريفية) بأنواعها.
فانها تبصرنا بالحالات النفسية الكثيرة، وتؤدي الى الوقوف على روحية العشائر. وليس المحل محل بسط ولكنه يعدّ من أجل المصادر للمعرفة. وفي وقائع تاريخهم المنوعة المختلفة أمثلة على ذلك.
وإلاصلاح الاجتماعي تابع للمعرفة الحاضرة المتصلة اتصالاً مباشراً بالمجتمع العشائري ومن هذا نرى التفاوت الكبير بين البدو وأهل الارياف. وندرك الحاجات وما يعانيه الزراع. وطرق المعرفة لا تحصى وكنت قلت في كتاب عشائر العراق سنة ١٩٣٧م: