والإستدلال بأنهم ليسوا من العرب باستنطاق ملامحهم وبعض خصائصهم البدنية ونحافة جسمهم مما لا يدعمه برهان ولا يؤيده أثر خارجي ... في حين إنني رأيت نظمهم بدوية لا تفترق عن عوائد البدو من شمر وعنزة وسائر عشائر الشامية، ومن عوائدهم المخالفة ما يعين أنها ناشئة من عدم اتصالهم بالعشائر الأخرى إلا نعاشرة طفيفة ومؤقتة. ومثل هؤلاء ما ينقل عن سكان جبل عكاد الذين لا يختلطون بقوم كما نقل العرب عنهم في بداية تدوين اللغة ونقل كلام العرب من نفس المتكلمين باللغة العربية.
وأما ما يقال من أن العرب يعتبرونهم غير عرب فهذا غير صحيح. وإنما يقولون أنهم يتعاطون أخس الأمور ولم يناوؤا قبيلة ولا يغفرون ذمة لضعفهم، ومن جهة أنهم ليس لهم نسب معروف ... وان لاختيار النسب علاقة في نبذهم كما نبذ العرب باهلة لصفات اختصوا بها. ومنهم من يعدهم من باهلة. والظاهر ان هذا ليس بصواب.
أما ديانتهم فلا يسع المرء انكار انهم مسلمون. وان التقولات عن أصلهم عبارة عن اذاعات من النصارى وفي طبعهم ألفة لكل أحد فلم ينفروا من أحد ولم يخالفوا امرءاً ولكنهم على وضعهم البدوي. وهنا أمر جدير بالانتباه وهو أنهم لم يقوموا بالوجائب الدينية والمراسم والتقاليد الشرعية تماماً فهذا غالب في أكثر البدو مما عدا اتباع ابن سعود.
وعلى كل حال هم بدو ولكن عيشتهم أخس عيشة فلا يزاحمهم فيها أحد. يطاردون الغزلان والحيوانات الوحشية ومن جلودها يتخذون لباسهم وبيوتهم ويقتنون الحمر الوحشية وسائر الحمر التي لا يقتنيها البدو ... وأكلهم بسيط جداً فهم قنوعون أكثر من كل العرب.
ولا صحة للقول بأنهم يتخذون المكيار. ولكنهم يتخذون البارودات في أقدم أشكالها مثل تفكه شيشخان والكرطة وهي معروفة. واليوم أسلحتهم لا تفترق عن سائر البدو.
وهم أعرف بمواقع الأمطار ومن أخلاقهم ألا يسرقوا ولا يخادعوا ولا يمكروا، يؤدون الدين. ولكن الكدية غالبة في طباعهم. لا يحرم في نظرهم طعام إلا المحرمات الشرعية المعروفة. العفة والطهارة غالبان فيهم.
وللزوجة علاقة واتصال بزوجها تسير معه حيثما سار، وتعينه في مشاق حياته.
ويسكنون خيام الجلد - جلد الغزال - ولا يستقرون في مكان يرتادون الكلأ البعيد عن ممر الطريق أو ملاجئ العشائر، فلا يزاحمون أحداً ...
وليس فيهم خلاعة ولا سوء أخلاق ولا ما يجلب الأنظار أو يخل بالآداب. وطبّهم نباتي صرف أي أدوية معمولة من النباتات. ولهم حذاقة في صنعها وتكاد تمثل أقدم أزمان الطب عند الأمم العريقة في البداوة. ويقولون (هذا دواء الكهر) أي دواء القهر أي المياسير. ويقومون بأنواع الكيّ. وهذه صنائع قديمة محفوظة لهم ولسائر العرب والناس يركنون اليهم في اكثر الأحيان مع وجود أطباء العرب وأطباء المدن ...
فكم رأينا من أهل المدن والبادية عندنا من يميلون الى تجاربهم في الطب ويرجحونها على الطب الحديث ويعتقدون ان مبناها التجارب ويرون ان فيها فائدة.
ومن أدوية صليب: الفتيل وأدوية أخرى للدود ...
ولا يختلفون عن سائر البدو في الأمور الأخرى. والمهم ملاحظته ان الباحثين لم ينظروا الى قبائلهم، وفروعهم، ولا الى جماعاتهم مما يعين لدراستهم من جهاتهم البدوية ولا الاطلاع على حالاتهم الروحية، ولا أوردوا اشعارهم، ولا عينوا آدابهم ودرجة علاقتها بآداب البدو ...
ولا نرى اتصالاً بين هذه القبائل لنعد التفريع حقيقياً فنرجع فيه كل فريق الى من يمت اليه وفي الغالب نجد نخوتهم (أولاد صلبي) أو (أولاد غانم) الا أنهم يعدّون من (آل) فهم ينغون الى القحطانية أو ما ماثلها، وهي على كل حال تعتبر من (القبائل المتحيرة) التي نسي ماضيها.... ولا تزال قبائل قد جهلت ماضيها فلا تحفظ أنها قحطانية أو عدنانية على ان هذا لا يخرجها عن عروبتها ... وقد تحققت من الكثيرين منهم انهم لا يقطعون في معرفة جذمهم وفي الغالب يرجعون الى فروع من قبائل أخرى ... والملحوظ أن بعضهم شتيت من قبائل منقرضة، ومن قبائل لا تزال باقية والحوادث دعت بعض أفرادها فعاشوا معهم وصاروا منهم ...
وهذه أشهر فروعهم أو مجموعاتهم: ١ - نفس صليب: وهؤلاء نخوتهم (عيال الصليبي) ورئيسهم ابن حليس. وهم لبة الصلبة كما يقولون. يتفرعون الى فروع منها: