بحقّ عَالِمٍ لا نرضاه من عالم؛ فالعالم يصحِّحُ ولا يجرِّحُ!
فلا يخفى عُنْفُ هذه العبارة؛ فهي مقتبسة من قول الله تعالى في حقّ الشّيطان: {فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ ... (٤٨)} [الأنفال] أو من قوله تعالى في حقّ المشركين: {قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (٦٦)} [المؤمنون] ولا تخفى الاستعارة التمثيليّة في هاتين الآيتين، فقد شبّه الله تعالى الإعراض عن الحقّ بالرّاجع القهقرى إلى الخلف!
وهذا الكلام في حقّ العلماء لا ينبغي أن يقال، ولا أن يُنْقَلَ عنهم؛ فحين يقرأ سواد النّاس هذا الكلام، يظنّون بهم؛ فيتركون ميراثهم! وما ذكرناه إلاّ {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨)} [ق] فالحذرَ الحذرَ من بيان مسألة صغرى بطريقة تُضيِّعُ مصْلحةً كبرى.
والتّسليم: أن يُفْرض المُحال ويسلّم وقوعه تسليماً جدلياً للدلالة على عدم فائدة ذلك على تقدير وقوعه. والتّسليم الّذي أخذوه عليه ليس عيباً، وإن كان نوعاً من الأنواع المصطلح عليها في علم الجدل؛ فقد ورد التّسليم في كتاب الله تعالى، قال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١)} [المؤمنون].
فقوله تعالى:{إِذًا} جواب لمحذوف تقديره: لو كان معه إله، والمعنى: لو سُلّم أنّ مع الله إله لزم من ذلك التّسليم ذهاب كلّ إله بخلقه، وألاّ يرضى إلهٌ أن يُضافَ خَلْقُه إلى غيره، ولتنازعوا في الملك {وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} وغلب بعضهم بعضاً وقهره، فلا يتمّ في الكون أمر ولا تنتظم أحواله، فإذا تقرّر نفي المشاركة لأنّ الواقع خلاف ذلك دلّ على نفي