للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الولد أيضاً؛ لأنّ الولد ينازع في الملك. وقد جاءت {مِنْ} في الموضعين زائدة: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} وإنّما زيدت لتوكيد النّفي. فهذا الأسلوب متّبع، ومنه قوله تعالى: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا} فرضاً {مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ... (١٤)} [فاطر] وله شواهد حسبنا منها ما ذكرناه.

وكثير هم الّذين انتقدوا القاضي عياض وابن حجر وغيرهما من العلماء الأجلاّء الّذين لا نعلم أنّ الله أعطى أحداً منهم موثقاً من الخطأ أو الوهم أو النّسيان، ولا يسعنا إلاّ أن نتمثّل قول الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ... (١٩٩)} [الأعراف].

وقد أخذوا على ابن حجر مأخذين: الأوّل: أنّه بعد أن ساق طرق القصّة وبيّن أنّها كلّها سوى طريق سعيد بن جبير ضعيف وإمّا منقطع، قال ـ رحمه الله ـ: " لكن كثرة الطّرق تدلّ على أنّ للقصة أصلاً " (١) ولم يغفروا زلّته، ولم يكفهم أنّ غير عالم، ومنهم الألبانيّ ـ رحمه الله ـ قد نبّه إلى ذلك من عُقُود! فحتّى يومنا هذا وهم يناقشون ما ذهب إليه، قلت: والحمد لله أنّ ابن حجر لم يقل: للقصة أَصْلٌ ثابت أو صحيح، وإلاّ لو صَارت الأشجارُ أقلاماً، والبحار مداداً ما استطاعوا أن يُشْبِعوا الموضوع حقّه!

والثّاني: أنّ ابن حجر ارتضى في تأويل الآية قول القائل: كان - صلى الله عليه وسلم - يرتل القرآن فارتصده الشّيطان في سَكْتةٍ من السكتات ونطق بتلك الكلمة محاكياً نغمته بحيث سمعه من دنا، فظنّها من قوله وأشاعها، قال ابن حجر: " وهذا أحسن الوجوه " (٢).

قلت: وهذا الّذي اختاره ابن حجر على التّسليم بأنّ هناك من يحتجّ بالمرسل، أو يحتج بتعدد طرق الحديث واعتضاد بعضها ببعض. وقصّة الغرانيق معلوم أنّها باطلة مناسبة وسنداً ومتناً، ونصّها مخالف لأصل من أصول العقيدة، وهو عصمة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من أن يدسّ عليه


(١) ابن حجر: " فتح الباري " (ج ٨/ ص ٣٥٤) كتاب التّفسير.
(٢) المرجع السَّابق.

<<  <   >  >>