قال الجهلاء: وكيف الجمع بين قوله تعالى في حقّ أمّة محمّد - صلى الله عليه وسلم -: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ... (١١٠)} [آل عمران] وقوله تعالى في حقّ بني إسرائيل: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (٤٧)} [البقرة] وعضدوا جهالتهم بقولهم: كيف يستقيم هذا، وقد أكّد الله تعالى تفضيل بني إسرائيل على العالمين بأنْ ذكر الآية مرتين في السّورة نفسها، فقد قال الله في الآية الثَّانية والعشرين بعد المائة: {وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (١٢٢)} [البقرة] قالوا: وهذا التّكرير للتوكيد!
والجواب، أنّ تفضيل الله تعالى لبني إسرائيل لا يخفى أنّه كان على عالمي زمانهم، وهو من باب العام الّذي أُريْدَ به الخاص، والفعل (كان) في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} لا يراد به المضيّ والانقطاع، وإنّما يراد به الاستقبال والحال، وهذا الحكم جاء مُعَلَّلاً، فعلّة الخيريّة فسّر سببها قوله تعالى بعد ذلك {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ... (١١٠)} [آل عمران] والآية وإن كانت خطاباً لأصحاب النَّبيِّ، فهي عامة في أمّة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الّتي لا يخلو عصر ممّن يأمر منها بالمعروف وينهى عن المنكر.
ومن باب العام الّذي يُرادُ به الخاص قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٣)} [آل عمران] فالله تعالى لم يصطفهم على سيّدنا محمّد - صلى الله عليه وسلم -، وإنّما أراد عالمي أزمنتهم. ولابن قتيبة في كتابه " تأويل مشكل القرآن "(١) بحثٌ ثَرٌّ في ذلك.
قال الجهلاء: كيف عمّ الله تعالى الآيات بالإحكام في قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ... (١)} [هود] وخصّ بعضها بالإحكام في سورة آل عمران فقال: {هُوَ الَّذِي
(١) انظر " تأويل مشكل القرآن " لابن قتيبة (ص ٢٨١).