للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ... (٧)} [آل عمران].

قالوا: وكيف يمكن التّوفيق بين آية ذكرت أنّ القرآن كلّه محكم: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ... (١)} [هود] وآية ذكرت أنّ القرآن كلّه متشابه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا ... (٢٣)} [الزّمر] وزعموا أنّ بين الآيتين تعارضاً!

وخلاصة القول: القرآن الكريم منه آيات محكمات هنّ معظم الكتاب، ومنه آيات متشابهات. وقد جعله الله كلّه محكماً في قوله {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ... (١)} [هود] بمعنى ليس فيه عيب، وجعله متشابهاً في قوله: {كِتَابًا مُتَشَابِهًا ... (٢٣)} [الزّمر] بمعنى أنّه يشبه بعضه بعضاً في الحسن والصّدق وغير ذلك.

وعلى ذلك، فالإحكام الّذي عَمَّ به في سورة هود غير الذي خَصَّ به في سورة ... آل عمران، وما قيل في الإحكام يُقال في المتشابه. وهكذا يتّضح أنّ الإحكام لا يأتي على معنى واحد كما يتوهّمون، وقد ذكر ابن القيّم في (شفاء العليل) ثلاثة معان للإحكام (١).

والجواب من وجه ثانٍ أنّ الله أوقع العموم على معنى الخصوص، أي ذكر أنّ الكتاب كلّه محكم وأراد الخصوص أو الجزء، ثمّ ذكر أن الكتاب كلّه متشابه وأراد الخصوص، وهو باب يُعرفُ في البلاغة بالمجاز المرسل وعلاقته هنا الكلّيّة.

قالوا: هناك تعارض بَيِّنٌ بيْنَ قوله تعالى: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (١٠١)} [المؤمنون] وقوله تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (٢٥)} [الطّور] فآية تنفي التّساؤل بينهم، وآية تثبته.

هذا، ولا تَشَابه بين الآيتين، فحين لا يتساءلون، فذلك حين ينفخ في الصّور النّفخة الأولى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (١٠١)} [المؤمنون]


(١) ابن القيّم " شفاء العليل " (ص ١٩٣).

<<  <   >  >>