للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكيف يتساءلون ولا يبقى حَيٌّ حينها في السّماء ولا في الأرض إلاّ ما شاء ربّك؟! قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ (٦٨)} [الزّمر] وعلى ذلك، فهم يتساءلون في النّفخة الأخرى الّتي يُبْعثون بها، فالآية توضّح الآية.

قالوا: وما قولكم في آية تنفي أن يكتم المشركون ربّهم حديثاً عمّا عملوه، فالله تعالى يقول: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (٤٢)} [النّساء]، وآية تثبت أنهم يكتمون ويقولون: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣)} [الأنعام].

وقد أجاب أهل التّأويل ما حاصله أنّ جوارحهم لا تكتم الله حديثاً، وإن جحدت بذلك أفواههم، كما قال تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥)} [يس] وذلك أنّهم لمّا رأوا أنه لا يدخل الجنّة إلاّ المسلمون، يجحدون بأفواههم أنّهم كانوا مشركين، فيختم الله على أفواههم وتنطق جوارحهم؛ فيعلمون أنّ اللهَ لا يُكْتَمُ حديثاً.

قالوا: فقد ذكر الله تعالى في سورة النّازعات خَلْقَ السّماء قبل خلق الأرض، فقال تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠)} [النّازعات].

وفي سورة فصّلت ذكر خلق الأرض قبل خلق السّماء، فقال: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١)} [فصّلت] فآيةٌ تُشعِرُ بأنَّ خلقَ السّماء مُتَقدِّمٌ على خلق الأرض، وآية تشعر بأنّ خلق السّماء متأخّر عن خلق الأرض؟!

قلت: المعنى الظّاهر أنّ الله تعالى خلق الأرض في يومين أَوَّلاً غير مدحوّة، ثمّ خلق

<<  <   >  >>