السّماء في يومين، ثمّ دحا الأرض وبسطها ومدّها {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} أي مع اليومين الّلذين تقدّما قوله: {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ}؛ وعلى ذلك، فالأرض متقدّمة على السّماء خلقاً، متأخّرة عنها دحواً، وهكذا يندفع الإشكال.
قالوا: لكنّ الله تعالى يقول في سورة البقرة: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ... (٢٩)} [البقرة] قالوا: وخَلْقُ ما في الأرض جميعاً لا يكون إلاّ بعد دحوها، والآية دلّت على أنّه تعالى خلق ما في الأرض جميعاً ـ أي أنّه دحاها ـ قبل خلق السّماء، وهذا يُبقي الإشكال قائماً، ولا يندفع الإشكال بمثل هذا الجمع.
قلت: لعلّ هذه الآية أجملت ما فُصّل في سورة فصّلت من ترتيب خلق الأرض والجبال من فوقها، والمباركة فيها، وتقدير أقواتها، وخلق السّماء بعد ذلك، ثم دحو الأرض؛ فالقرآن يفسّر بالقرآن أوّلاً، فإن تعذّر فبالسُّنَّة، والله أعلم؛ فإنْ خَفِيَتْ حِكْمَةٌ فهذا مصداق لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٧٤)} [النّحل].
قالوا: ولِمَ خصّ الله تعالى الكفّار دون المؤمنين في قوله تعالى: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ... (٢٠)} [الحديد] قالوا: فهذا ممّا يستوي فيه الكفّار والمؤمنون، فلو أعجب نباتُ الغيث المؤمنين ما نقص إيمانهم شيئاً؛ فأيّ حكمة في إعجاب الكفّار دون المؤمنين؟
ولا يخفى أنّ الكفّار في الآية بمعنى الزُّرّاع، فالعرب تقول للزَّرَّاع: كافر؛ لأنّه يَكْفُر البَذر المبذور بتراب الأرض إذا أمَرّ عليها مالَقَه، فيستره، وهذا مثل قوله تعالى: {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ... (٢٩)} [الفتح].
قالوا: وكيف تكون القوارير وهي زجاج من فضّة؟ كما جاء في قوله تعالى: {قَوَارِيرَا (١٥) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ ... (١٦)} [الإنسان] قالوا: وكيف تكون الحجارة من طين؟ كما جاء في قوله تعالى: {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣)} [الذّاريات] قالوا: وأيّ شيء أكثر من هذا