أمّا قوله تعالى: {قَوَارِيرَا (١٥) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ ... (١٦)} [الإنسان] فهذا على التّشبيه، أراد أنّها قوارير (أكواب) لها بياض الفضّة وصفاء الزّجاج يرى باطنها من ظاهرها. أمّا قوله تعالى: {لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣)} [الذّاريات] ... فذكر ابن عبّاس أنّها: الآجُرّ. والآجُرّ: طبيخ الطّين، أو حجارة الطّين؛ لأنّه في قسوة الحجارة {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦)} [الجاثية].
قالوا: فإنّ الله تعالى يقول: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (٩٦)} [النّساء] وكان: فعل معناه المضيّ والانقطاع؛ فكأنّه كان ثمّ مضى؟!
ولا يخفى أنّ فعل الكينونة جاء هنا بمعنى الدّوام والاستمرار والأزل والأبد، أَي أنَّ الله كان ولم يَزَلْ كذلك، وعلى هذا المعنى تُحْمَلُ جميع الصّفات الذّاتية المقترنة بالفعل كان، نحو قوله تعالى: {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (٨١)} [الأنبياء].
والفعل كان يأتي بمعان أخرى، فهو يأتي بمعنى الحال، مثل قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (١٠٣)} [النّساء] وبمعنى الاستقبال: {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (٧)} [الإنسان] وبمعنى صار: {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٣٤)} [لبقرة] وغير ذلك.
قالوا: وكيف الجمع بين آية تصف الأولاد أنّهم زينة الحياة الدّنيا كما قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ... (٤٦)} [الكهف]، وآية تحذّر من الأولاد وأنّ منهم عدواً يجب الحذر منه، قال تعالى: {إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ ... (١٤)} [التّغابن].
ومن قرأ أسباب النّزول زال عنه هذا الإشكال، فقد أخرج التّرمذي عن ابن عبّاس