للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالحجّ ركن من أركان الإسلام ودعائمه العظام نقوم بمناسكه طَاعَةً لله لأنَّ الله أمر بذلك، ونؤدِّيه اتِّباعاً لسنَّةِ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم - لأنّه فعل ذلك، فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: " لتأخذوا مناسككم فإنّي لا أدري لعلّي لا أحجّ بعد حجَّتي هذه " (١) واللام في " لتأخذوا ": لام الأمر. والتّقدير: خذوا عنّي هيأة الحجّ وصفته من أقوال وأفعال. وهذا الحديث أصل في مناسك الحجّ ومشروعيتها، فنحن المسلمين لا نعبد الله إلاّ بما أَذِن به على لسان نبيّه.

ونحن لا نعظِّم هذه الأماكن، وإنّما نعظِّم أمرَ الله ورسوله، وهذا عمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ يردُّ على هذه الشّبهة منذ قرون، ويعلّم المشركين أنّ المسلمين لا يستلمون الحجر الأسود من باب تعظيمه كما فعلت العرب في الجاهليَّة، وإنَّما هو من باب الاتِّباع لفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أخرج البخاري عن عابِس بن ربيعة، عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنَّه جاء إلى الحجر الأسود فقبَّله، فقال: " إنِّي أعلم أنَّك حجرٌ لا تضرُّ ولا تنفعُ، ولولا أنِّي رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّلك ما قبَّلْتُك " (٢) فالحجر بذاته لا ينفع ولا يضرّ إلاّ بإذن الله، والَّذي ينفع عند الله هو امتثال أمر الله والاستنان بنبيِّه محمَّد - صلى الله عليه وسلم -.

وعمر ـ رضي الله عنه ـ إنَّما قال ذلك دفعاً لما كان عليه أهل الجاهليَّة من اعتقاد في عبادة الأوثان، فنصَّ على أنَّ تقبيل الحجر ليس عبادةً له، وإنَّما هي عبادةٌ لله تعالى باتِّباع أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. فلا يقصد من استلامه إلاّ تعظيم أمر الله والأخذ بسنَّة نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، ولولا الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قبَّله عمر ـ رضي الله عنه ـ وما تابعه المسلمون.

وقول عمر وفعله ـ رضي الله عنه ـ يُؤْخذ منه بيان السُّنن المشروعة ومتابعتها والحثّ على الاقتداء بها، فهي حجَّة على من بلغته وإن لم يَفْقَهْ عِلَلَها. كما يُؤْخذ منه حُسْنُ السَّمع والطّاعة لأمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في أمور الشَّرع، وحسن الاتِّباع للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حتَّى لو خفيت علينا الحكمة من وراء هذه الأمور.


(١) مسلم " صحيح مسلم بشرح النَّووي " (م ٥/ج ٩/ص ٤٤) كتاب الحجّ.
(٢) البخاري " صحيح البخاري " (م ١/ج ٢/ص ١٦٠) كتاب الحجّ.

<<  <   >  >>