واعجَبْ كيف يذكرهم أقوام بسوء وهم يقرؤون كلام الله تعالى! حتّى الصّدّيق ـ رضي الله عنه ـ لم يَسْلَمْ من ألسنتهم، مع أنّه لا يتقدّم عليه بالفضل أحد إلا الأنبياء والمرسلون! فما طلعت الشّمس ولا غربت بعد النّبيّين والمرسلين على رجل أفضل منه، رجل سَلِمَ من عتاب الله تعالى، بل وامتدحه في قوله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ... (٤٠)} [التّوبة].
والذين يظنّون ظنّ السّوء ببعض أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ويجرحونهم فريقان: فريق جاهل، وفريق مقلّد لآبائه وأجداده، وليس للفريقين عُذْرٌ عند الله؛ فالجهل بالصّحابة وقدرهم لا يعفي أحداً من السّؤال أمام الله، فقد نهى الله تعالى كُلَّ أحد عن أن يقول ما ليس له به علم، قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (٣٦)} [الإسراء].
والتّقليد الّذي هم عليه، وإمهال الله لهم ليس دليلاً على رضا الله عنهم: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (١٤٨)} [الأنعام].
وإذا تقرّر أنّ الله نهى عن اتِّباع الإنسان ما ليس له به علم؛ فلا يكون لمخلوق أن يرمي أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما لم يوقن أنّه فيه، ولا أن يحكم عليه بالظّن: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ... (٣٦)} [يونس].
فالحكم بالظّنّ لا يحلّ، قال تعالى ذامّاً لأقوام: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢)} [الجاثية] وقال تعالى: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (٢٠)} [الزّخرف] وقال تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠)} [الذّاريات]، وقال تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ ... (١٢)} [الحجرات] وقال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا