للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثّالث: هذه الرّواية تزعم أنّ عليّاً ـ رضي الله عنه ـ كان يعرف قتلة عثمان ـ رضي الله عنه ـ ويُؤْويهم في جيشه منذ أن قُتل عثمان، والأمر أمرهم، وهذا باطل، فالخليفة عليّ هو من روى قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: " المدينة حَرَمٌ ما بين عَيْر إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى مُحْدِثاً فعليه لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين، لا يُقْبَلُ منه يوم القيامة صَرْف ولا عدْلٌ " (١).

الرّابع: لا يصدّق أنّ عليّاً يُدعى إلى الاحتكام إلى كتاب الله تعالى ويأبى، وهو يقرأ قول الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥١)} [النّور].

الخامس: المشهور عند العلماء أنّ من علامات الوضع ركاكة الألفاظ وفساد المعنى، فمّما يُظهر جليّاً أنّ هذه الرّواية من وحي أهواء المبطلين أنّها اشتملت بعد ذلك على ألفاظ يعفّ قلمي عن ذكرها تقديراً لمقام أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فكيف يسمع الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ مثل تلك الألفاظ ولا ينكرونها؟! فضلاً عن أن تجري على ألسنتهم، وقد قال الله تعالى في حقّهم: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ... ... (٢٤)} [الحجّ].

وتجدر الإشارة إلى أنّ هناك كثيراً من الروايات والأخبار للمؤرِّخ نصر بن مزاحم المتوفى سنة (٢١٢ هـ) في كتابه " وقعة صفّين " تقشعرّ لها الأبدان وتشيب من هولها نواصي الولدان لا تصحّ البتّة، فضلاً عن الأشعار الكثيرة في هذا الكتاب، والّتي هي مِنْ صِناعَةِ الرُّواةِ أو تَلْفِيقِ أصحاب الأخبار.

وهذه ترجمة لأبي مخنف ونصر بن مزاحم ليكون القارئ على بصيرة فلا يقع في أعراض الصّحابة، وقد قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (٦)} [الحجرات] فلو جاء الإنسان بكلّ معذرة


(١) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٨/ص ١٠) كتاب الفرائض.

<<  <   >  >>