للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منهما مثله الّذي ضربه لصاحبه إلى الأمصار ... " (١).

وهذه الرّواية لا تصحّ سنداً؛ لأنّ الزّهري لم يُدْرِكْ هذه الحادثة، والزّهري هو: محمّد ابن مسلم الزّهري، أبو بكر، الفقيه الحافظ متّفق على جلالته وإتقانه، ولد في آخر خلافة معاوية ـ رضي الله عنه ـ وفي " سير أعلام النّبلاء " (٢) فإنّ مولده فيما قاله دحيم وأحمد بن صالح: في سنة خمسين، وفيما قاله خليفة بن خيّاط: سنة إحدى وخمسين.

وأحداث صفّين هذه كانت بدايتها سنة ست وثلاثين للهجرة، فكيف يروي الزّهري أحداثاً وقعت قبل ولادته بأربعة عشر عاماً على الأقلّ؟! فالرّواية مرسلة، ... ومراسيل الزّهري ذهبت كأدراج الرّياح عند العلماء، لا تقوم بها حُجَّةٌ، ولذلك قال أحمد بن سنان الواسطي: " كان يحيى بن سعيد القطان لا يرى إرسال الزّهريّ وقتادة شيئاً، ويقول: هو بمنزلة الرِّيح، ثمّ يقول: هؤلاء قوم حفّاظ كانوا إذا سمعوا الشيء علقوه " (٣).

ومن العلماء والفقهاء من يرى عدم صحّة الاحتجاج بالمرسل، قال الإمام مسلم: "والمرسل من الرّوايات في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجّة " (٤).

ويدلّك على ضعفها أنّ الزّهري أوّل الرّواية يحدّث عن صعصعة بن صوحان، وهو من كبار التّابعين، وتوفي في خلافة معاوية، أي أن الزّهري لم يسمع منه.


(١) الطّبري: " تاريخ الأمم والملوك " (م ٤/ص ٤١) وأخرج نحوها ابن سعد عن محمّد بن عمر، عن معمر ابن راشد، عن الزّهري في " الطبقات الكبرى " (م ٤/ص ٢٥٥). ومحمّد بن عمر هو الواقدي، مَتْروك، والزُّهري لم يدرك الحادثة.
(٢) انظر أخبار الزّهري في " سير أعلام النّبلاء " (ج ٥/ص ٣٢٦/رقم ١٦٠) و " كتاب التّاريخ الكبير " (م ١/ص ٢٢٢/رقم ٦٩٣) و " كتاب الثّقات " (ج ٥/ص ٣٤٩) و" تاريخ الإسلام ووفيّات المشاهير والأعلام " (م ٨/ص ٢٢٧).
(٣) ابن أبي حاتم " كتاب المراسيل " (ص ١٣).
(٤) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ١/ج ١/ص ١٣٢) مقدّمة الشّارح. وهو قول الشّافعيّ أيضا وغيره من الفقهاء.

<<  <   >  >>