للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد قال الزّهري ذات يوم: " يا أهل العراق، يخرج الحديث من عندنا شِبْراً، ويصير عندكم ذِراعاً " (١) قلت: وقد أحسن من قال:

وقد نقلوا عنّي الّذي لم أفُه به ... وما آفة الأخبار إلاّ رواتُها

وأخرج نحو هذه الرّواية ابن سعد في " الطّبقات الكبرى " (٢) وفي سندها ثلاثة مجروحين: ضعيف، ومتروك، ومرمي بالوضع، وقد رأيت بيان حال هذه الرّوايات درءاً لتوهّم التَّعصُّب، ودَفْعاً لمظنّة الهوى، فقد أخرجها ابن سعد من طريق محمّد بن عمر، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن عمرو بن الحكم.

أمّا محمّد بن عمر، فهو الواقدي، والواقدي ضعيف باتّفاق ومتروك مع سعة علمه، وتقدّمت ترجمته، أمّا ابن أبي سبرة، فقال عنه الحافظ: " رموه بالوضع " (٣) أمّا ابن أبي فروة، فقال عنه الحافظ: "متروك " (٤).

كذلك الرّواية لا تصحّ متناً؛ لأنّ فيها اضطراب من وجوه:

أحدها: هذه الرّواية تصوّر أنّ هناك خلافاً بين عليّ ومعاوية على الخلافة، وأنّ معاوية ينازع عليّاً عليها، وهذا باطل فالخلاف بينهما ليس على الملك كما هو معلوم، ولو كان معاوية ينازع عليّاً الخلافة لما تَخَلَّفَ صحابيٌّ واحدٌ عن النّكير عليه، بل ومقاتلته من أوّل الأمر، ولمَا كانت هناك شبهة في وجوب مقاتلته، فقد قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا بُويِعَ لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما " (٥)، وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: " من أتاكم وأمركم جميعٌ على رجل واحد يُريد


(١) الذّهبي " تاريخ الإسلام ووفيّات المشاهير والأعلام " (م ٨/ص ٢٣٧) أحداث سنة ثلاثين ومائة.
(٢) ابن سعد " الطّبقات الكبرى " (م ٤/ص ٢٥٦).
(٣) ابن حجر " تقريب التّهذيب " (ص ٦٢٣/رقم ٧٩٧٣).
(٤) ابن حجر " تقريب التّهذيب " (ص ١٠٢/رقم ٣٦٨).
(٥) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّووي " (م ٦/ج ١٢/ص ٢٤٢).

<<  <   >  >>