للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِزْماراً من مزامير آل داودَ " (١) وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ أن يستمع لقراءته، فقد قال له ذات يوم: " لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة، لقد أوتيتَ مِزْماراً من مزامير آل داودَ " (٢).

وكان عمر ـ رضي الله عنه ـ إذا رآه قال: " ذَكِّرْنا ربَّنا يا أبا موسى، وفي رواية: شوّقنا إلى ربّنا، فيقرأ عنده " (٣) فمن يتكلّم على صحابيّ أشبه بنملة وَهْنَانة تحاول أنْ تزحزح جبلاً شامخاً من مكانه! أو أشبه بفم كريه يحاول أن يطفئ شمس الضّحى وهي ساطعة.

ولا تصحّ الأخبار الّتي فيها اتّهام لأبي موسى ـ رضي الله عنه ـ أنّه كان ينال بعد ذلك من عليّ، فقد روى الحاكم عن ابن عبّاس، قال: قال أبو موسى الأشعري: " إنّ عليّاً أوّل من أسلم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (٤) وقال الحاكم: " هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه، والغرض من إخراجه براءة ساحة أبي موسى من نقص عليّ، ثمّ رواية ابن عبّاس عنه " (٥).

فليس هناك مِنْ مَكْرٍ ولا خديعة ولا تبديل ـ كما يصوّرون ـ وإنّما كان واحدهم يعرف سابقة الآخر ويدين بفضله، ولا يعرف أحدهم الغَدْرَ أبداً، روى أحمد بإسناد صحيح عن الحسن، قال: " جاء رجلٌ إلى الزّبير بن العوّام، فقال: أقتلُ لك عليّاً؟! قال: لا، وكيف تقتله ومعه الجنود؟ قال: ألحق به فأفتك به، قال: لا؛ إنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إنّ الإيمان قَيْدُ الفَتك، لا يفتك مؤمن " (٦) والفتك هو أن يُؤْتى الإنسان من مأمن لا يرى أنّه أريد به بأس فيغدر فجأة، فهذا ليس من أخلاق الصّحابة الّذين تربّوا في مدرسة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -!

الثّالث: أنّ الّذين كتبوا هذه الرّوايات عمدوا إلى الآيات الّتي أُنْزِلَتْ في الكفّار وأهل


(١) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّووي " (م ٣/ج ٦/ص ٨٠) كتاب صلاة المسافرين، والبخاري نحوه "صحيح البخاري " (م ٣/ج ٦/ص ١١٢) كتاب فضائل القرآن.
(٢) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّوويّ " (م ٣/ج ٦/ص ٨٠) كتاب صلاة المسافرين.
(٣) ابن حجر " الإصابة " (م ٢/ج ٤/ص ١٢٠/رقم ٤٨٨٩).
(٤) الحاكم " المستدرك " (ج ٣/ص ٤٦٥) كتاب معرفة الصّحابة.
(٥) المرجع السَّابق.
(٦) أحمد " المسند " (ج ٢/ص ٢٠١/رقم ١٤٢٦).

<<  <   >  >>