للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الشّيخان: " لا تسبّوا أصحابي، لا تسبُّوا أصحابي ... " (١) وأيُّ سَبٍّ أكثر من لعنهم! فإذا كان النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عن سبِّهم فمن باب أولى النَّهي عن لعنهم.

وقد صَحَّ عن أمّ سلمة أنّها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " من سبّ عليّاً فقد سبّني " (٢).

ولا يخفى أنّ من الّذين يجوِّزون وقوع التّلاعن بين الصّحابة من غايته إباحة ذلك وإِيجاد عُذْر لمن يقع في أعراضهم من جهلة القوم، فكأنّه يقول لهم: طالما حدث منهم ذلك فسنظلّ على آثارهم مقتفين! {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣)} [النّور] فهؤلاء ليس عندهم دليل على جواز ذلك، ولا أَثَارَة من علم! بل إنّ الله تعالى نهى عن سَبِّ ما يعبده المشركون مخافة أن يحملهم الجهل على سَبِّ الله سبحانه، فقال: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨)} [الأنعام] فإذا كُنَّا نُهينا عن سَبِّ الأصنام، فهل يجوز سَبُّ الصّحابة الكرام ـ رضي الله عنهم ـ!

ونحن لا ننكر أنّه كان بين عليّ ومعاوية ما كان ممّا يكون بين البشر، ولكن كان يكتنفه تقوى الله وخَشْيته؛ فقد كان الخلفاء والأمراء والعلماء يتدثّرون بالدِّين الّذي كان يومها ظاهراً.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: " سألت أبي عن رجل يشتم رجلاً من أصحاب رسول الله؟ قال: ما أراه على الإسلام " (٣).

وقال بعض السّلف: " لحوم العلماء مسمومة وعادة الله فيمن آذاهم أبداً معلومة "


(١) مسلم عن أبي هريرة " صحيح مسلم بشرح النّوويّ " (م ٨/ج ١٦/ ص ٩٢) كتاب فضائل الصّحابة. والبخاري عن أبي سعيد الخدري " صحيح البخاري " (م ٢/ج ٤/ص ١٩٥) كتاب أحاديث الأنبياء.
(٢) الحاكم " المستدرك " (ج ٣/ص ١٢١) كتاب معرفة الصّحابة، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه، ووافقه الذّهبي.
(٣) ابن الجوزي " مناقب الإمام أحمد " (ص ١٦٥).

<<  <   >  >>