للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله تعالى فيه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (٦)} [الحجرات] والصّحابة لا توصف بالفسق لأنّ الله تعالى حبّب إليهم الإيمان وكرّه لهم الكفر والفسوق والعصيان، قال تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ... (٧)} [الحجرات] فهل يجهل ابن عبّاس ـ رضي الله عنه ـ ذلك وهو ترجمان القرآن وحبر هذه الأمّة؟! فهذه الرّواية تطعن في ابن عبّاس وأبي موسى وعمرو بن العاص معاً.

وقد تعرّض الهيثمي بالنّقد لهذا الخبر بعد أن ساقه من رواية الطّبراني عن عبد الله بن مسعود، قال: " ... ولا قَنَتَ عليّ حتّى حارب أهل الشّام، وكان يقنت في الصلوات كلّهنّ، وكان معاوية يدعو عليه أيضاً يدعو كلّ واحد منهما على الآخر " (١) قال الهيثمي: " رواه الطّبراني في الأوسط، وفيه شيء مُدْرَك عن غير ابن مسعود بيقين هو قنوت عليّ ومعاوية في حال حربهما؛ فإنَّ ابن مسعود مات في زمن عثمان، وفيه محمّد بن جابر اليمامي، وهو صدوق ولكنّه كان أعمى واختلط عليه حديثه وكان يُلقَّن " (٢).

وأمّا الرّد على من جوَّزَ وقوع التَّلاعن بينهما وأنّ هذا لا يستبعد وقوعه بدعوى أنّه دون القتل الّذي وقع بينهما، وأنّ القتال أعظم منه.

فهذا كلام منقول عمّن صنعته إِحْدَاثُ الأَحْدَاث، ومن ذهب إلى هذا يحتاج إلى دليل إِثْبَاتٍ عن أَثْبَاتٍ ليس فيه عِلَّة، وحتّى يأتينا هذا الدّليل يظلّ كلامه دعوى مجرّدة من البرهان، أمّا قوله التّلاعن دون القتل، فقد ساوى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بين لعن المؤمن وقتله في غير حديث للدّلالة على شناعة هذا الجرم، فقد صَحَّ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: " ومن لعن مؤمناً فهو كقتله " (٣).

وهذا ممّا لا يجهله الصّحابة، فضلاً عن أن يجهلوا تحريم سبّ الصّحابة الّذي ثبت عن


(١) الهيثمي " مجمع الزّوائد " (ج ٢/ص ١٣٦).
(٢) المرجع السَّابق.
(٣) البخاري عن ثابت بن الضَّحَّاك " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٧/ص ٨٤) كتاب ... الأدب.

<<  <   >  >>