للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يستميل عمرو بن العاص حتّى قال له عمرو: " اجعل لي مصر طُعْمة ما دامت لك ولاية " (١) وظلّ يصوّر عمرو بن العاص أنّه كان يطمع في ولاية مصر جامعة موروثة في عقبه ...

ثمّ ذهب إلى أعجب من ذلك، فقال: " وليقل النّاقدون ما بدا لهم أن يقولوا في صدق هذا الحوار، وصحّة هذه الكلمات، وما ثبت نقله وما لم يثبت منه سنده ولا نصّه، فالّذي لا ريب فيه، ولو اجتمعت التّواريخ قاطبة على نقضه، إنّ الاتّفاق بين الرّجلين كان اتّفاق مساومة ومعاونة على الملك والولاية ... " (٢).

قلت: ولا أدري كيف يأخذ أَعْجازاً ليس لها صُدُورٌ، وأحاديث ليس لها خُطُم ولا أَزِمَّة! أليس من الخطأ أن يتعصّب إنسانٌ إلى رأيه المجرَّد الّذي لا يستندُ إلى البراهين، ثمّ يقول: إنّه لن يطيع أحداً من العالمين؟! إلاّ إذا كان يخشى أن يجادله أحد بالسنّة، فيفلجه بالجواب المسكت.

فلتكن لنا قُدْوةٌ بما كان عليه الأئمة المجتهدون، الّذين يُسَرُّ الواحدُ منهم إذا ظهر الحقّ ولو على يد غيره، فقد أُثِرَ عن غير واحد منهم أنّه كان يقول: " رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصّواب ".

فإذا لم يكن هناك إجماع على مسألة فلا ينبغي لباحث التَّعصُّبُ لرأيه، وعليه أن يحيط بجملة علوم، منها: علم الجرح والتّعديل، وقواعد أصول الفقه قبل أن يتعصّب للدليل الّذي معه إنْ كان معه دليل، ومن هذه القواعد الّتي ينبغي الالتفات لها أنّ " الدّليل إذا تطرّق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال ".

ووالله الّذي لا إله غيره إنّ ما صحّ من الأحاديث والأخبار موجود عند أعلام أهل الحديث والآثار؛ فهم الّذين مع الحقّ، والحقّ معهم؛ لأنّهم أخذوا دينهم وتاريخهم وعقائدهم خلفاً عن سلف، وقرناً عن قرن، وجيلاً عن جيل، وتابعاً عن تابع، وعدلاً عن


(١) العقاد " عمرو بن العاص -رضي الله عنه-" (ص ١٦٦).
(٢) المرجع السّابق.

<<  <   >  >>