للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عدل حتّى انتهوا إلى أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، الّذين نقلوا بدورهم عن الّذي لا ينطق عن الهوى، متحرّين الأمانة والصّدق.

فلا ريب أنّ الحقَّ مع أهل الحديث وأنّهم الفرقة النّاجية، ويشهد لذلك، ما رواه البخاري عن حُمَيْد، قال: سمعتُ معاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنهما ـ يخطُبُ، قال: سمعتُ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول: " منْ يُرِدِ اللهُ به خيراً يفقّهْهُ في الدّين، وإنّما أنا قاسم ويُعْطِي اللهُ، ولن يزالَ أمرُ هذه الأمّةِ مُسْتَقيماً حتّى تَقُومَ السّاعةُ، أو حتّى يأتي أمرُ الله" (١).

فقد أخرج هذا الحديث البخاري في (كتاب الاعتصام بالكتاب والسّنّة)، وعنون له تحت باب (قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على الحقّ يقاتلون، وهم أهل العلم) وأخرج الحاكم بسند صحيح عن أحمد بن حنبل قال: " إن لم تكن هذه الطّائفة المنصورة أصحاب الحديث فلا أدري من هم " (٢) ولذلك سيظلّ أهل العلم من هذه الأمّة ظاهرين على الحقّ إلى يوم القيامة، لا يضرّهم من خالفهم.

ولو تَتَبَّعْتُ الّذين نقلوا هذه الأباطيل، لاحتجت إلى مصنّفات، وإنّما نقلت منها شيئاً يسيراً؛ لأعارضها بصحيح السّيرة، وليكون القارئ على بصيرة، فمثل هذه الأخبار سَوَّدَ بها هؤلاء الكتب الطّوال، وصفحات الأعمال! وإنَّ الحليم مِنَّا ليقف حيرانَ من هَوْلِ ما يجد مسطوراً في كتبهم!

والّذين أجهدوا أنفسهم في تعقّب أخبار الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ من كتب التّاريخ الّتي فيها الغثّ والسّمين، وأعدّوا المصنّفات دون تمييز الصّحيح من الدّخيل، وظلّوا على آثار هؤلاء المؤرِّخين يهرعون، كان الواجب عليهم أن يُعِدّوا عند الله عذرًا! قال تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ... (١٢)} [يس] الَّتي تركوها وَرَاءَ ظهورهم، وقد أصَابَ مَنْ قال:


(١) البخاري: " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٨/ص ١٤٩) كتاب الاعتصام بالكتاب.
(٢) الحاكم " معرفة علوم الحديث " (ص ٢) وانظر " الحجّة " (ج ١/ص ٢٦٢).

<<  <   >  >>