وما مِنْ كاتبٍ إلَاّ ستبقى ... كتابتُه وإن فَنِيَت يَدَاهُ
فلا تكتُب يمينُكَ غيرَ شيءٍ ... يَسُرُّكَ في القيامةِ أن تراهُ
ولا أدري ما عذرهم، وكتب الجرح والتّعديل لم تترك لمتعلّل منهم عذراً يتعلّل به؟!
ولم ينشغل الصّحابة ـ رضي الله عنهم ـ بتأليف الكتب ونشرها، وإنّما انشغلوا بتأليف القلوب ونشر الإسلام، فشتّان بين مقاصد الدّنيا ومقاصد الدّين!
وقد جمعت أسماء بعض الكتّاب والمحقّقين الّذين ساهموا في نشر كثير من الرّوايات الّتي لا تصحّ سنداً ولا متناً، وأحصيت كتبهم، ثمّ رأيت أن أنزّه كتابي عنهم؛ فذلك أزكى وأطهر من أن أذكر عُجَرَهم وبُجَرَهم.
ومّما يبعث الأسى أنّه يكاد لا يخلو بيت من بيوت المسلمين في هذه الأزمان من أشباه ونظائر هذه الكتب! فالحذر الحذر؛ فالتّاريخ الإسلاميّ إذا لم ينظر فيه مُحدِّثٌ فعظَّمَ الله أجركَ فيه! فمن أراد السّلامة فليأخذ التاريخ من كلام حافظ محدّث من أهل السّنّة والجماعة، يكون حجّة في علم الرّواية والدّراية، وقد حكم على الأخبار صحيحها وضعيفها وموضوعها، فمن فعل ذلك فقد استبرأ لدينه وعرضه وتقواه، ولم يغلبه تعصّبه وجهله وهواه.
ولو أنّ هؤلاء الكتّاب تدبّروا كلام الله لانتهوا، فالله تعالى يقول: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٢٥)} [النّحل]، فكم هم الّذين وقعوا في عرض الصّحابة وَهُمْ مَنْ هُمْ، وأغروا العوامّ على ثَلْبِهم! وكم هم الّذين انخدعوا وغُرِّروا بهذه الرّوايات، فنقموا لأجل ذلك على الصّحابة الأجلاّء الّذين لم يُحْفَظ الدّين إلاّ بهم! فهم الّذين نقلوا إلينا كتاب الله وسنّة نبيّه - صلى الله عليه وسلم - بالرّواية، وبيّنوا لنا من الأحكام والأركان ما لا يحيط بعلمه أحد لتفرّدهم بالبرهان، وتميّزهم بمعاينة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - والحديث معه باللسان، فهم الّذين عاصروا التّنزيل، وأخذوا دينهم عن البشير النّذير الّذي أرسله الله رحمة للعالمين، أفلا نطيعُ أمرَ الله فنقابل الإحسان بالإحسان كما